قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

عاقبة إنكار المعاد – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يقول تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)

سبب النزول: قصة خباب بن الأرت مع العاص أو الوليد:

نزلت هذه الآية المباركة في أحد رجلين من مشركي قريش، قيل هو العاص بن وائل، وقيل الوليد بن المغيرة. وكان خباب بن الأرت ـ الصحابي الجليل ـ يعمل في صياغة الذهب، فصاغ لأحدهما حُلية، فلما طلب أجرته رفض المشرك دفعها، واشترط عليه أن يكفر بمحمد صلى الله عليه وآله حتى يعطيه أجرته. فرد خباب قائلاً:

“لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث.”

فأجابه ذاك المستكبر ساخرًا:

“فإني إذا مت ثم بُعثت جئتني ولي مال وولد فأعطيتك أجرتك.”

فنزل قول الله تعالى معاتبًا ومبينًا بطلان زعمه:

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا…).

 

المال والبنون… زينة أم غرور؟

من اللافت أن القرآن الكريم ركز في هذه الآية، كما في آيات أخرى، على المال والبنون. يقول تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

فالإنسان يرى امتداده الحقيقي في الولد الذي يحمل اسمه وإرثه، كما يرى في المال ضمانًا لمستقبل ذريته. ومن جمع المال بلا ولد، أو أنجب ولدًا بلا مال، يظل في قلق وسعي حثيث لتكميل ما ينقصه. لكن الغفلة تكمن حين يجعل الإنسان المال والولد بديلًا عن الإيمان واليقين بالآخرة.

 

الأدلة على البعث والمعاد

إنكار البعث ليس أمرًا جديدًا؛ فقد أنكره أقوام من قبل، وجاء القرآن بأدلة عقلية بسيطة تقطع العذر:

الله الذي خلق من العدم قادر على الإعادة: فإذا كان البشر العاديون يستطيعون إعادة ما صنعوه مرة أخرى بعد فساده، فكيف يعجز الخالق جل شأنه عن إعادة خلق الإنسان؟

إحياء الأرض بعد موتها: مثال حي على إمكان البعث، حيث يحيي الله الأرض الجدباء بالمطر فتُخرج نباتها وكأنها بعثت من جديد.

فإمكان المعاد حقيقة عقلية قبل أن تكون عقيدة دينية.

 

معنى (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ)

جاء الاستفهام هنا توبيخيًا، أي: هل هذا الكافر اطلع على الغيب حتى يزعم أن له عند الله مالًا وولدًا في الآخرة؟!

الغيب كله لله تعالى وحده: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ). ولا يطلع أحد على الغيب إلا من ارتضاه الله من أنبيائه وأوليائه، وبالقدر الذي يشاء. فالأنبياء والأئمة حين يخبرون عن الغيب، فإنما هو بإذن الله، لا من ذوات أنفسهم.

 

الدرس العقائدي والأخلاقي

هذه الآية تعلمنا أن الغرور بالدنيا وزينتها من مال وولد لا يغني عن الإنسان شيئًا إذا أنكر المعاد وكفر بالآيات. فكل زينة الدنيا زائلة، والبعث والجزاء حق، ولن ينفع المرء إلا ما قدم من عمل صالح.

 

الخلاصة:

إنكار المعاد ليس مجرد خطأ فكري، بل هو انحراف في العقيدة يُسقط قيمة العمل، ويفتح الباب أمام التمرد على القيم والأخلاق. والقرآن الكريم واجه هذه المزاعم بالتوبيخ العقلي والحجج القاطعة، ليعيد الإنسان إلى رشده، ويوقظه من غفلته.

مواضيع مشابهة

خير الزاد – 838 – الحسرة يوم القيامة

الحساب والمعاد