الإجارة وضمان التلف – السيد صباح شبر
تتناول هذه الحلقة رواية أبي ولاد الحنّاط الشهيرة، التي تُعدّ من النصوص الفقهية المفصلية في باب الإجارة والضمان، حيث يُبيّن الإمام الصادق (عليه السلام) الحكم الصحيح في مخالفة المستأجر لشروط العقد، ووجوب التعويض العادل، بخلاف ما أفتى به أبو حنيفة من إسقاط الحقوق. كما تكشف الرواية عن البعد الأخلاقي في القضاء الإسلامي، وأن الجور في الحكم سبب لزوال البركة ومنع الرحمة الإلهية.
نص الرواية:
عن أبي ولاد الحناط قال:
اكتريتُ بغلاً إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خُبّرتُ أن صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خُبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فاتّبعته وظفرتُ به، وفرغتُ ممّا بيني وبينه، ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً.
فأخبرتُ صاحب البغل بعذري وأردتُ أن أتحلّل منه ممّا صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة، وأخبره الرجل، فقال لي: ما صنعتَ بالبغل؟ فقلت: قد دفعته إليه سليماً، قال: نعم، بعد خمسة عشر يوماً! قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: أريد كِراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً.
فقال: ما أرى لك حقّاً، لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد، فضمن قيمة البغل وسقط الكراء، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكراء.
قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئاً وتحلّلتُ منه.
وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) بما أفتى به أبو حنيفة، فقال:
«في مثل هذا القضاء وشبهه تُحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها».
قال: فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فما ترى أنت؟ فقال:
«أرى له عليك مثل كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل، ومثل كراء بغل راكباً من النيل إلى بغداد، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة تُوفيه إياه».
قال: فقلت: جعلتُ فداك قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟
فقال: «لا، لأنك غاصب».
قلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟
قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته».
قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دَبَر أو غَمْز؟
قال: «عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه».
قلت: من يعرف ذلك؟
قال: «أنت وهو، إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك».
قلت: إني كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني.
فقال: «إنما رضي بها وحلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم، ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك».
وسائل الشيعة – ج ١٩ – ص ١١٧
الأسئلة المطروحة في الحلقة:
مفهوم الإجارة وضوابطها الشرعية: ما هو تعريف الإجارة في الفقه الإسلامي، وما الذي يميزها عن البيع؟ ما هي مسؤولية المستأجر إذا خالف شرط العقد؟ متى يتحول استعمال العين المستأجرة إلى غصب؟
الضمان في الإجارة والمخاطرة: كيف بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) وجوب الضمان عند المخالفة؟ ما هو الأساس الفقهي لتقدير قيمة الأجرة عند تغيير المقصد؟ لماذا لا يستحق الغاصب تعويضاً عن العلف أو النفقات التي صرفها؟
البعد الأخلاقي في القضاء: ما دلالة قول الإمام (عليه السلام): “في مثل هذا القضاء تُحبس السماء ماءها”؟ كيف يظهر الفرق بين القضاء الإلهي العادل والاجتهاد بالرأي؟ ما أثر العدل في نزول البركات الإلهية على المجتمع؟
تُبرز هذه الرواية أن العدل أساس الحياة، وأن مخالفة الحق في القضاء تُغلق أبواب السماء وتقطع أرزاق الناس. الإمام الصادق (عليه السلام) علّمنا أن الحكم الشرعي لا يُبنى على الهوى أو القياس، بل على ميزان الحق الإلهي.
فالعدالة في العقود والمعاملات ليست مجرد نظام قانوني، بل عبادة تقرّب إلى الله وتمنح المجتمع الطمأنينة والبركة.

