الحلال ما أحله المعصوم – السيد صباح شبر
في هذه الحلقة نتناول روايتين مهمتين تكشفان عن أبعاد فقهية وعقائدية تتعلق بحلية الأموال وحدود الاستفادة منها. الأولى مع الإمام الصادق عليه السلام حين طلب منه أحد الحاضرين أن يحلّل له “الفروج”، وما ترتب على هذا السؤال من بيانٍ دقيق لحلية أموال الشيعة ببركة إذن الأئمة عليهم السلام. والثانية نزلت في حادثة خوات بن جبير في غزوة الخندق، حيث شرّعت آية قرآنية مهمة حكم الأكل والشرب ليلاً في شهر رمضان حتى طلوع الفجر. الروايتان معًا تبرزان دقة الشريعة في بيان ما هو حلال وما هو حرام، وضبط الأحكام بما يتناسب مع حفظ الدين ومصلحة الأمة.
الروايات:
عن أبي سلمة سالم بن مكرم، وهو أبو خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(قال له رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله (عليه السلام)! فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطاه. فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال. أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمة، وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق).
تهذيب الأحكام – ج ٤ – ص ١٣٧
عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله تعالى:
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ…﴾
قال: نزلت في خوات بن جبير الأنصاري وكان مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الخندق وهو صائم، فأمسى وهو على تلك الحال، وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب، فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال: هل عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتى نصلح لك طعاماً. فاتكأ فنام، فقالوا له: قد فعلت؟ قال: نعم. فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يُغشى عليه، فمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره، فأنزل الله عز وجل فيه الآية: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾.
الكافي – ج ٤ – ص ٩٨ – ٩٩
المحاور والأسئلة المطروحة في الحلقة:
معنى سؤال “حلل لي الفروج”: ما الذي قصده الرجل من طلبه الغريب للإمام عليه السلام؟ لماذا فزع الإمام الصادق عليه السلام من هذا السؤال؟ كيف أوضح الإمام أن المقصود هو الزواج والشراء والتجارة، لا الحرام؟
الأموال وحكم الخمس والغنائم: هل للرواية الأولى ارتباط مباشر بأحكام الخمس؟ ما هو حكم غنائم الحروب إذا لم يؤذن فيها الإمام المعصوم؟ هل تجوز الاستفادة من مال شخص لا يؤدي الخمس؟
الأحكام التوقيفية في الحلال والحرام: ما معنى قول الإمام: “لا يحل إلا لمن أحللنا له”؟ هل للأئمة عليهم السلام ولاية تشريعية في إباحة بعض الأموال لشيعتهم؟
نزول آية الصيام: كيف كانت أحكام الأكل والشرب قبل نزول آية “وكلوا واشربوا حتى يتبين…”؟ ما هي الدلالة التشريعية لهذه الآية على التخفيف ورفع الحرج؟ كيف تُظهر القصة رحمة الله بعباده وتيسير التشريع الإسلامي؟
تبيّن الرواية الأولى أن الحلال لا يكون إلا بإذن الله ورسوله والأئمة، وأن ما أحلّوه لشيعتهم إنما هو تكريم وتخفيف عنهم مع حفظ حدود الشريعة. أما الرواية الثانية فتكشف عن رحمة الله ورفقه بعباده في تشريع الصيام، برفع التضييق السابق وإفساح المجال للأكل والشرب حتى طلوع الفجر. ومن خلال هاتين الروايتين يتضح أن التشريع الإسلامي قائم على مبدأين أساسيين: صيانة حدود الحلال والحرام، ورفع الحرج عن الأمة.
مواضيع مشابهة
ليتفقهوا في الدين – مسائل فقهية في العلم الإجمالي – 76- مسائل في الزكاة والخمس

