ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن أهل البيت عليهم السلام هم قادة الوجود وقادة المسيرة الإلهية، وهم أصل الوجود وأول من خلق الله وبرأ، وهم سر الخلق، والحقيقة المحمدية هي سر الخلق بإجماع المسلمين، وفي الحديث القدسي (لولاك ما خلقت الأفلاك، لولاك ما خلقت آدم).
ولذلك ينبغي علينا أن نكتب التاريخ بناء على أهل البيت والمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام لا على أساس الحكام والملوك والسلاطين والطغاة كما كتب تاريخ الإسلام.
إن عظمة الإمام الكاظم عليه السلام هي من عظمة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك فهو جزء من الحقيقة المحمدية التي هي سر الوجود وسر الخلق.
ينبغي أن نكتب التاريخ بناء على الأئمة الاثني عشر المجمع عليهم وعلى أسمائهم وترتيبهم عند مختلف الفرق الإسلامية، ابتداء من أمير المؤمنين عليه السلام وانتهاء بالمهدي المنتظر عجل الله فرجه.
وقد عاصر الإمام الكاظم عليه السلام جملة من الملوك والسلاطين، وقد دامت مدته إمامته خمسا وثلاثين سنة، بدأت بحكم أبي جعفر المنصور الدوانيقي في أواخر أيام حكمه، ثم جاء المسمى بالمهدي ثم المسمى بالهادي، ثم جاء هارون الملقب بالرشيد.
وفي حوالي السنة الخامسة عشرة من حكم هارون الظاهري كانت شهادة الإمام الكاظم عليه السلام.
واختلف في عمر الإمام الكاظم عليه السلام ما بين خمس وخمسين وسبع وخمسين سنة على اختلاف الروايات.
وكان عصر الإمام الكاظم عليه السلام عصر تعاظم قدرة أكبر إمبراطورية حكمت باسم الإسلام، وكانت أكبر من إمبراطورية الأمويين والعثمانيين الذين حكموا باسم الإسلام.
وكان رئيس وزراء هذه الإمبراطورية مترامية الأطراف شخص موال للإمام الكاظم عليه السلام ومن أتباعه السريين، ولم يكن يعلن ولاءه لإمامه، وهو علي بن يقطين الذي كان بمثابة السلطة التنفيذية في الدولة، وكانت له صلاحيات واسعة وكان هو الحاكم الفعلي المؤتمر بأمر الإمام عليه السلام، ولذلك كان الحاكم الفعلي للبلاد هو الإمام الكاظم عليه السلام وهو في داخل سجنه.
وقد واجه هارون العديد من المصاعب مع الإمام عليه السلام حيث نقله أكثر من مرة من سجن لآخر نظرا لولاء العديد من السجانين وأفراد الشرطة للإمام عليه السلام، وهذا ما يؤكد قوة الإمام وأنه يحكم فعليا العالم الإسلامي.
وقد برزت هذه الخصوصية للإمام عليه السلام بشكل واضح من خلال الذين وقفوا على إمامته ولم يلتزموا بإمامة الإمام الرضا عليه السلام وسموا بالواقفة الذي ظهروا في مصر وأرجاء أخرى من العالم الإسلامي.
وكان للإمام الكاظم عليه السلام هيبة لا توصف ولا يعرفها إلا من واجهه وقابله وجها لوجه، ومنه ذلك الشاعر الذي أراد الانتقاص من الإمام وهجاءه فوقف منتظرا إياه ليخرج من قصر هارون ذات يوم فألجمه ببضع كلمات عن نسبه جعلت الشاعر يقف ساكتا وحار جوابا ولم يستطع أن ينبس ببنت شفة.
وكان الإمام الكاظم عليه السلام مثالا للعابد الزاهد، فكان يقضي جل وقته في السجن في العبادة، بل وكان يشكر ربه على أن أتاح له الفرصة والمجال لكي يتفرغ لعبادته ومناجاته والاختلاء به.
وكان مع كل تلك الظروف ومن السجن يدير العالم الإسلامي الواسع، وهذا يكشف لنا أن الحكم لا يتعارض مع العبادة قط، وإن أعباء الحكم وإدارة شؤون البلاد لم تتعارض يوما مع أن يكون الشخص عابدا زاهدا، فيمكن للمؤمن أن يخصص وقتا لكل عمل، فالنهار لأعماله وشؤونه وشطر من الليل يقوم به عابدا ربه، ولا ينبغي أن يتم التحجج بأعباء السياسة وإدارة الأمور للتملص من العبادة وتركها وراء ظهورنا، فلأجل العبادة خلقنا وبهذا الهدف وجدنا.
وقد سأل هارون ذات يوم الإمام الكاظم عليه السلام عن حدود فدك مدعيا أنه سيعيدها لأصحابها الحقيقيين، فأخبره الإمام باستحالة ذلك وبأنه لو رسم له حدودها فلن يعيدها على الإطلاق، لكنه هارون أصر، فكان الإمام يحدد له حدودها ووجه هارون يصفر تارة ويحمر أخرى، وعندما انتهى كان قد رسم له حدود العالم الإسلامي كله، فقال هارون مستنكرا: تعال واجلس مكاني، لكن الحقيقة هو أن الإمام عليه السلام كان في مكانه بالفعل، وكان يحكم طيلة تلك السنوات العالم الإسلامي الذي شهد أكبر فترة ازدهار له وعاش المسلمون وقتها بحبوحة من العيش وكل ذلك بفضل الإدارة الملهمة من الإمام الذي يحكم باسم الله.