شهر شعبان شهر العبادة – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن شهر شعبان شهر عبادة وذكر ومناجاة، شهر ينبغي للعبد فيه أن يتفرغ ويفرغ نفسه فيه للصلاة والذكر والدعاء والصيام، وأن يكثر فيه من كل ذلك، فالمطلوب ليس مجرد أداء صلاة مستحبة أو الدعاء ببعض الأدعية أو صيام يوم أو اثنين منه بل المطلوب الإكثار من كل ذلك.
وينقل الإمام الخميني عن أستاذه الشاه آبادي أنه يعتبر الدعاء والمناجيات المأثورة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام هو القرآن الصاعد كما أن القرآن الكريم هو القرآن الهابط.
وتعتبر أدعية المعصومين عليهم السلام ومناجاتهم مع الله من أسمى الكلم، فأحاديث النبي وأهل بيته عليهم السلام مع الناس ليست كحديثهم ومناجاتهم مع الله، فمناجاتهم مع الله أعلى مقاما وأعلى مرتبة من حديثهم مع الناس.
ويوصي الإمام الخميني بقراءة المناجاة الشعبانية التي يقول بأن جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يحرصون على قراءتها والتدبر فيها.
والإنسان المؤمن دائما ما يطلب من الله ويتمنى أن يجيبه الله ويستجيب له دعاءه، لكنه يصل إلى مرحلة أعلى وأسمى كما ورد في المناجاة الشعبانية حيث يقول الداعي (واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سرا وعمل لك جهرا).
والصعق هنا هي من أعلى مراتب العبادة، وهي المرتبة التي وصل إليها كليم الله موسى عليه السلام، والصعق هو ردة فعل على شدة الفرح والتلذذ بمناجاة الله والحديث معه.
وينبغي للمؤمن في هذا الشهر الفضيل شهر شعبان أن يحاول الوصول إلى مراقي العبادة وأعاليها، فيصل إلى مرتبة الصعق لشدة حبه وتعلقه بالوصال مع الله جل وعلا، ولذلك كان شهر شعبان شهر الصعق كما ورد في المناجاة الشعبانية.
وينبغي استغلال المناسبات في شهر شعبان وفي غيره من الشهور بهدف الترقي في مراتب العبادة وعدم القناعة بمراتبها الدنيا، وعلينا الاستعانة بهذه المناسبات لتحسين عبادتنا لخالقنا وبارئنا لا أن نقضيها بالأمور الفارغة والاحتفالات التي قد تتخللها العديد من المحرمات فلا نفقد بذلك ثواب العبادة في هذا اليوم وحسب بل إننا نزيد الطين بلة بمزيد من الذنوب ومزيد من الأوزار نحملها على ظهورنا في أيام يفترض بها أن تكون نافذتنا للعودة إلى الله جل وعلا.
إن النبي وأهل بيته عليهم السلام هم الأدلاء إلى الله تعالى، ولولا وجودهم لتهنا وضعنا ولم نبصر طريق الهداية، فقد هدانا الله بالنبي وأهل بيته الكرام عليهم السلام، ومع وجودهم ترى كل ذلك الضلال المنتشر بين عموم الناس وقلما تجد من هداه الله وفتح قلبه للإيمان، فكيف ستكون الحال لو أنه لم يرسل إلينا هؤلاء الأطهار؟
وإن عدم الاهتمام والاكتراث بمناسباتهم وإحيائها بما ينفع في الدار الآخرة وعدم ذكر حديثهم والانتفاع به فهو غرق في الضلال البعيد الذي يصعب علينا بعده انتشال أنفسنا منه.
وإن توزيع المناسبات الإسلامية على مدار العام هو من حكم الله تعالى ولم يأت اعتباطا، وذلك لتذكيرنا دائما بأئمتنا وعظمائنا عليهم السلام.
إن السنة الهجرية تبدأ بشهر محرم الحرام في العادة، لكن السنة العبادية أو الموسم العبادي يبدأ مع حلول شهر رمضان المبارك، وقد بدأ بعض العلماء كالسيد ابن طاووس كتابه إقبال الأعمال بأعمال شهر رمضان المبارك، وبعد شهر رمضان يأتي شهر شوال كاستراحة من مشاق العبادة في شهر رمضان، وصولا إلى شهر ذي الحجة حيث الحج ومناسكه وأعماله.
وبعد ذلك موسم التضحية والحزن والعزاء حيث محرم وصفر، ثم يأتي شهر ربيع الأول شهر الفرح بولاة الرسول صلى الله عليه وآله، ثم الموسم الفاطمي لنستذكر تلك الوقائع الأليمة وصولا إلى شهر رجب حيث المناسبات العديدة والتي يأتي على رأسها ولادة أمير المؤمنين علي عليه السلام.
ثم يأتي شهر شعبان الذي نعيش أجواءه بالولادات الميمونة من إمامنا الحسين إلى أخيه أبي الفضل العباس وابنه الإمام السجاد عليهم السلام، وصولا إلى النصف من شعبان حيث الليلة عظيمة الشأن والتي تعد تهيئة واستعداد جيدا لإحياء ليالي القدر.
وينبغي للعبد في شهر شعبان أن يكثر من حاجات الروح ويقلل من حاجات الجسد، فحاجات الروح هي حاجاته الإنسانية، أما حاجات الجسد فهي حاجاته الحيوانية، وينبغي للإنسان أن يترفع ما استطاع عن الحيوانية في هذا الشهر الفضيل.