التربية على المستحبات – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
الأشهر الثلاثة المباركة: رجب، شعبان، ورمضان، تحمل في طياتها فرصة عظيمة لتزكية النفس وتقريبها من الله تعالى. فهي أشهر تُفتح فيها أبواب الرحمة وتُضاعف فيها الأجور، مما يجعلها محطة أساسية في حياة المؤمن لإعادة تقييم ذاته والتقرب إلى ربه. في هذا المقال، سنسلط الضوء على أهمية مراقبة النفس في هذه الأشهر الفضيلة، وكيف يمكن أن تصبح وسيلة فعّالة لتحسين العلاقة مع الله تعالى.
أهمية مراقبة النفس
مراقبة النفس تعني أن يكون الإنسان واعيًا بأقواله وأفعاله، ملتزمًا بما يُرضي الله تعالى، ومتجنبًا كل ما يسبب معصيته. في الأشهر الحرم، تُضاعف الأجور على الطاعات، ولكن كذلك تزداد عواقب المعاصي والذنوب. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
هذا التوجيه الإلهي يُبرز أهمية الحذر في هذه الأشهر، مما يجعلها فرصة لتطهير النفس والابتعاد عن الذنوب.
السبيل إلى مراقبة النفس
لمراقبة النفس عدة وسائل يمكن للمؤمن اتباعها:
التأمل في النفس والعمل على إصلاحها:
يجب أن ينشغل الإنسان بنفسه بدلًا من التدقيق على أعمال الآخرين. فبدلًا من البحث عن أخطاء الغير، عليه أن يوجه طاقته لإصلاح نفسه وتحسين علاقته مع الله تعالى.
التواضع وعدم الرضا عن النفس:
الرضا عن النفس والاعتقاد بالكمال يمنع الإنسان من تطوير ذاته ومراجعة أفعاله. يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) في وصيته لابنه: «يا بني عليك بالجد لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته».
ثقافة التأنيب الذاتي:
يجب أن يكون لدى الإنسان حس نقدي ذاتي يجعله يراجع أفعاله يوميًا، ويُقيّم مدى قربه أو بعده عن رضا الله تعالى.
فوائد مراقبة النفس في الأشهر الثلاثة
تقوية الإيمان: عندما يراقب الإنسان نفسه، فإنه يُدرك ضعفه أمام الله ويعمل على تقوية علاقته بربه.
تحقيق الطاعة الخالصة: مراقبة النفس تساعد على إخلاص العمل لله بعيدًا عن الرياء أو السعي لرضا الناس.
الابتعاد عن الذنوب: يجعل الإنسان أكثر حذرًا من الوقوع في المعاصي، خاصة في الأشهر التي تُضاعف فيها الحسنات والسيئات.
الخاتمة
الأشهر المباركة رجب وشعبان ورمضان هي فرصة ذهبية لكل مؤمن يسعى لتزكية نفسه والتقرب من الله تعالى. من خلال مراقبة النفس، يمكن للإنسان أن يُحقق السلام الداخلي والرضا الإلهي، وأن يجعل من هذه الأشهر نقطة انطلاق لحياة روحانية أفضل. لنسعَ جميعًا لاستغلال هذه الأشهر بالطريقة المثلى، متأدبين مع الله، ومجتهدين في عبادته وطاعته.
دعونا نعيش هذه الأشهر بقلوب واعية، ونستثمرها لتكون بداية جديدة نحو حياة مليئة بالإيمان والخير.