اغتنام الفرص وأثره على الخشوع في الصلاة – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن للفرص الإلهية أثرًا عظيمًا على حياة المؤمن، خصوصًا فيما يتعلق بالخشوع في الصلاة، إذ أن الصلاة لا تكتمل حقيقتها ولا تؤدي دورها التربوي والروحي إلا إذا اقترنت بالخشوع وحضور القلب. ومن هنا جاءت الروايات المباركة لتبيّن للمؤمن أن هذه الفرص بمثابة أبواب مفتوحة للرحمة والبركة، وأن ضياعها يُفوّت على الإنسان الكثير من الخير.
لقد تنوّعت الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام لتشير إلى ثلاثة أنواع من اغتنام الفرص:
الأول: التعرض للنفحات الإلهية
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا).
فهذه النفحات هي مواطن خاصة يفيض الله فيها برحمته، كليالي القدر، وأوقات الأسحار، وأيام الجمع، وساعات الإجابة. فالمؤمن الواعي هو من يتهيأ لها ويقتنصها، لأن نفحة واحدة منها قد تغيّر مصيره الأبدي.
الثاني: المسارعة في الخيرات
قال صلى الله عليه وآله: (اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده).
فالفرص لا تقتصر على أوقات محدودة، بل كل لحظة قد تكون سبيلاً للخير، سواء بذكر، أو دعاء، أو عمل صالح. ومن يعتاد المسارعة إلى الخيرات يكون قلبه ألين وأقرب للخشوع في الصلاة، لأنه يدرك أن كل لحظة لها قيمتها ولا تعوض.
الثالث: اغتنام الفرص بشكل عام
ورد عنه صلى الله عليه وآله: (تعرضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته).
فالفرص الإلهية ليست محصورة في مواسم العبادات فحسب، بل حتى في أبسط الأعمال اليومية التي يؤديها المؤمن بنيّة القرب من الله. إن استثمار هذه اللحظات يحفظ القلب من الغفلة، ويجعل الصلاة امتدادًا لهذه الروح المتصلة بالله.
نتيجة عدم اغتنام الفرص
إن التفريط في هذه الفرص يترك أثرًا خطيرًا على حياة المؤمن الروحية، فهو:
يقلّل من رصيد الحسنات، فيأتي العبد يوم القيامة بميزان فارغ أو ضعيف.
يُفقد القلب رهافة الشعور بالله، مما يجعله غليظًا بعيدًا عن الخشوع، فتتحول الصلاة إلى مجرد حركات جوفاء بلا روح.
يفتح باب الغفلة، ومع الغفلة تضعف صلة العبد بربه، ويصبح عرضة للانجرار وراء الذنوب والشهوات.
يضيع الفرص التي قد تكون مفصلية في حياة الإنسان، فربما كانت نفحة واحدة سببًا للهداية أو المغفرة، فإذا ضاعت بقي المرء في حرمان طويل.
الخاتمة
إذن، إن اغتنام الفرص الإلهية ليس مجرد مستحب، بل هو ضرورة روحية تحفظ القلب من القسوة، وتغذّيه بالخشوع والخضوع لله. ومن يهيئ نفسه لالتقاط هذه النفحات، يعيش حالة من القرب الدائم من الله تعالى، فيصلّي بقلب حاضر، ويخرج من الصلاة مطمئنًا قد تذوّق شيئًا من حلاوة المناجاة. أما من أعرض عنها، فقد يحرم من لذّة الصلاة ويعيش صلاته جسدًا بلا روح.