الركون إلى النفس – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن الركون إلى النفس هو الرضا عنها والامتثال لها، وهو من الأمراض الروحية الخطيرة التي تصيب الفرد المؤمن، وهو من أسباب عدم الوصول إلى الخشوع في الصلاة وعدم التوجه إلى الله توجها تاما فيها، ولذلك فهو من الأمراض التي يجب السيطرة عليها واستئصالها قبل أن تستفحل وتحدث دمارا لا يمكن تلافيه.
إن الركون إلى النفس هو ما يسمونه اليوم في الاصطلاح الحديث بالثقة بالنفس أو قوة الشخصية وما إلى ذلك من مسميات ينخدع بها الأعم الأغلب من الناس ممن لم يلتفتوا إلى خطورة مثل هذه المسألة ونظرة الدين إليها، بل قد يستغرب الكثيرون اعتبار الاعتماد على النفس أو قوة الشخصية صفة سلبية لا ينبغي التفاخر بها، وذلك ليس عيبا فيها وإنما عيب في الاصطلاح، فالاصطلاح الذي اصطلح على مثل هذه الحالة التي تعتري الإنسان اصطلاح خاطئ وليس في محله.
إن الركون إلى النفس من أخطر الأمراض الروحية، وهو يؤسس في النفس حالة من الرضا والاعتزاز بما تقدمه، والحال إن ديننا وقرآننا ورواياتنا الشريفة كلها تحضنا على الاعتماد على من لا يعتمد إلا عليه وهو الله الواحد القهار، أما الركون إلى النفس فهو من ألاعيب الشيطان ووساوسه التي خرج بها علينا اليوم شياطين الإنس أيضا.
ومن نتائج الركون إلى النفس الإعجاب بالنفس والثقة بكل ما تطلب، والحال إن هذه النفس التي هي أمارة بالسوء بطبيعتها إلا ما رحم ربي لا يجب الركون إليها ولا التعويل على رغباتها بل حري بنا الوقوف في وجهها وكبح جماحها لأن لا يتحول صاحبها إلى وحش كاسر لا يتوانى عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
إن الركون إلى النفس هو أول الطريق إلى المعصية، وذلك لأن رضا الإنسان عن نفسه وثقته بها يجعله يسعى لتحقيق كل ما تطلبه وترغب به، فالنفس بطبيعتها الأمارة بالسوء تطلب إشباع الشهوات بلا أي رادع ولا قانون، فهل يقبل أي عاقل بأن نترك النفس تفعل ما تهواه وما يحلو لها لمجرد خديعة وكذبة اخترعت وهي الثقة بالنفس والاعتماد عليها أو ما يسمونه بقوة الشخصية أحيانا؟
على الإنسان المؤمن عدم الركون إلى النفس وأن يعمل على لومها والوقوف في طريقها وهذا ما يجعل نفسه لوامة قبل أن يتحول بها إلى النفس الأمارة بالخير والصلاح وهو طريق طويل شاق ينبغي قطعه للوصول إلى المبتغى والمراد.