ولا تجعل الدنيا أكبر همي – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
في عالمٍ تتزاحم فيه الهموم وتتوالى فيه الابتلاءات، يجد الإنسان نفسه محاطًا بتحدياتٍ يوميةٍ تُثقل كاهله وتُشغل فكره. وفي خضم هذه المشاغل، قد يغفل البعض عن أهمية السكينة الروحية والتواصل العميق مع الخالق، خاصةً في أوقات العبادة.
ومن هنا، تأتي أهمية دعاءٍ مأثورٍ ورد في كتاب مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، حيث يقول: “اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا تجعل مصيبتي في ديني…”
هذا الدعاء يُبرز ضرورة التوازن بين متطلبات الحياة الدنيوية والروحية، مُشيرًا إلى أن الانشغال المفرط بشؤون الدنيا قد يُفضي إلى غفلةٍ عن الأمور الأهم، كسلامة الدين والخشوع في الصلاة.
فالخشوع في الصلاة ليس مجرد هيئةٍ جسدية، بل هو حضورٌ قلبيٌ وتفرغٌ ذهنيٌ يُمكن الإنسان من التواصل الحقيقي مع ربه. وقد ورد في الحديث الشريف:
“إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة تواجهه، فلا يلتفت، فإن الشيطان يختلس من صلاته ما استطاع.”
لذا، فإن الانشغال ببلاءات الدنيا أثناء الصلاة يُفقدها روحها ويُضعف الخشوع فيها.
وفي هذا السياق، يُمكننا التأمل في كيفية تحقيق هذا التوازن، من خلال إدراك أن البلاء في الدنيا قد يكون نعمةً إذا لم يؤثر على الدين، بل قد يُقربنا إلى الله، بينما المصيبة في الدين هي الخطر الحقيقي الذي يجب أن نستعيذ بالله منه.
وعليه، فإن السعي لتحقيق الخشوع في الصلاة يتطلب منا تفرغ القلب من شواغل الدنيا، واستحضار عظمة الله، والتدبر في ما نقرأ من آيات وأذكار، لننعم بلذة العبادة وطمأنينة الروح.
مصيبة الدين ومصيبة الدنيا: تمييز جوهري
البلاء نوعان:
بلاء في الدين: وهو الأخطر، إذ يُهدد العلاقة بين العبد وربه، وقد يؤدي إلى الانحراف أو الضلال.
بلاء في الدنيا: مثل الفقر أو المرض، وهو أهون إذا لم يؤثر على الدين، بل قد يكون وسيلة للتقرب إلى الله.
وقد ورد عن الإمام علي الهادي عليه السلام:
“إن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً.”
وهذا يُشير إلى أن البلاء الدنيوي قد يكون سببًا للثواب في الآخرة.
التعامل مع البلاءات اليومية
البلاءات اليومية قد تكون:
ابتلاءات خفيفة: مثل تأخر في الأمور أو مشكلات بسيطة.
ابتلاءات شديدة: مثل فقدان عزيز أو مرض خطير.
وللتعامل معها:
الدعاء والتضرع: كما في الدعاء المذكور، نطلب من الله أن لا يجعل مصيبتنا في ديننا.
الصبر والاحتساب: فالصبر مفتاح الفرج.
الصدقة: فهي تدفع البلاء.
التروي وعدم التسرع: لعدم تضخيم الأمور.
الخشوع في الصلاة وعلاقته بالانشغال ببلاءات الدنيا:
الخشوع في الصلاة يتطلب حضور القلب وتفرغه من شواغل الدنيا. وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “إذا قام العبد في الصلاة، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل.”
لذا، فإن الانشغال ببلاءات الدنيا أثناء الصلاة يُفقدها روحها ويُضعف الخشوع فيها.
خاتمة:
علينا أن نُدرك أن البلاء في الدنيا قد يكون نعمة إذا لم يؤثر على ديننا، بل قد يُقربنا إلى الله. أما المصيبة في الدين فهي الخطر الحقيقي الذي يجب أن نستعيذ بالله منه.
ولتحقيق الخشوع في الصلاة، يجب أن نُفرغ قلوبنا من شواغل الدنيا، ونستحضر عظمة الله، ونتدبر ما نقرأ من آيات وأذكار.