الجهل بثواب الصبر – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
يُعاني كثير من المؤمنين من ضعف الخشوع في الصلاة أو عند تلاوة الأدعية، رغم محاولاتهم الحثيثة للتركيز وحضور القلب. غير أن جذور هذا الضعف قد لا تكون دائمًا في قلة المحاولة، بل في الجهل بمصادر الخشوع الحقيقية، وعلى رأسها الصبر على البلاء. فالصبر ليس فقط فضيلة أخلاقية، بل هو شرط نفسي وروحي يهيئ القلب لتلقي النور الإلهي في الصلاة والدعاء.
الصبر في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر: 10
هذه الآية الكريمة تُظهر عظمة أجر الصبر، حيث لا يُحدّ بأرقام ولا يُقيّد بمقدار، بل هو من خزائن الكرم الإلهي المفتوحة.
وهذا يدل على أن من يصبر على البلاء، يُكتب له من الحسنات ما لا تتصوره العقول، فيرتقي في مقامه الروحي، ويصفو قلبه، ويُعان على حضور القلب والخشوع في عبادته.
الصبر كمفتاح للخشوع
إن الحسنات هي التي يُرزق العبد من خلالها الخشوع في الصلاة. ومن أين يأتي هذا الرصيد؟
إنه يأتي من منجم الحسنات الأعظم: الصبر. فإن كان العبد قليل الصبر، سريع الجزع، متذمّرًا عند أدنى مصيبة، فكيف له أن ينال هذه النعمة الربانية العظيمة، وهي نعمة الخشوع؟
روايات أهل البيت عليهم السلام في ثواب الصابرين
الاسترجاع يضمن استمرار الأجر
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعًا وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب)
فحتى بعد مرور الزمن، لا يضيع الأجر إذا ذكّر الإنسان نفسه بـ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، واسترجع تسليمه لقضاء الله.
ما هي أعظم المصائب؟
عن الإمام الصادق عليه السلام: (الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني)
فالدين هو رأس المال، ومن فَقَد دنياه لكن احتفظ بدينه فقد ربح. ومن هنا كان الإمام يعلّمنا أن نحمد الله على أن المصيبة لم تكن أعظم، ولم تكن في الإيمان.
حبّ الله يزداد رغم البلاء
عن الإمام الصادق عليه السلام، لما مات له ولدٌ أمام عينيه، قال: (سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إلا حبًا)
كلمة تهزّ الوجدان وتُبيّن مدى إيمان أهل البيت المطلق بالله وتسليمهم لأمره. إنهم لا ينظرون إلى المصيبة فقط، بل إلى ما بعدها من رحمة وفضل، وإلى ما تثمره من مقامات.
الرضا بما يحب الله وإن خالف ما نحب
قال الإمام الصادق عليه السلام: (إنا قومٌ نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا، فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا)
هكذا يُربّينا أهل البيت على مقامات الرضا، التي هي من أعظم ثمار الصبر.
دروس عملية
من لم يصبر على البلاء يحرم من مدارج الكمال، لأن الصبر هو سلّم الوصول.
الخشوع ليس مجرد حالة نفسية، بل هو عطاء رباني، يُعطى لأهل الصبر.
كلّما صبرت على مصيبة، ازداد قلبك نقاءً، وكلما ازداد نقاؤه، ازداد حضورًا في الصلاة.
الجزع يُحبط الأجر، ويمنع تدفّق الطمأنينة الروحية التي تُعدّ أساس الخشوع.
الخاتمة:
في زمنٍ كثرت فيه الابتلاءات، وكثرت فيه الشكوى، علينا أن نستعيد ثقة القلب بوعد الله، ونتذكّر أن كل دمع صابر، وكل تنهيدة محتسبة، تُكتب في سجلّ الكمالات.
فمن أراد الخشوع في الصلاة، فليبدأ بالصبر عند البلاء، فإنها بوابة تُفتح منها أبواب النور.
مواضيع مشابهة
ليتفقهوا في الدين – آيات الأحكام – 221 – الأمر بالصبر إرشادي وليس تكليفيّاً