آثار اغتنام النفحات الإلهية – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إنَّ الخشوع في الصلاة من أعظم مقامات المؤمن، وهو ثمرة الإيمان العميق والتزكية المستمرة للنفس. ومن الوسائل التي تساعد المسلم على بلوغ هذه المرتبة اغتنام الفرص التي يفتحها الله تعالى لعباده، سواء كانت نفحات إلهية في الأوقات المباركة، أو المسارعة إلى الخيرات، أو الالتزام بصلاة الجماعة التي هي أعظم مدرسة للخشوع والإنابة.
اغتنام النفحات الإلهية
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
(إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً).
هذه النفحات هي لحظات خاصة يفيض الله فيها رحمته على عباده، قد تكون في وقت صلاة، أو عند السحر، أو في أيام عظيمة كليالي الجمعة وشهر رمضان. اغتنام هذه النفحات يفتح للقلب أبواب الطمأنينة ويُسهل على الإنسان الوصول إلى الخشوع في الصلاة.
المسارعة في الخيرات:
الفرص لا تدوم، ومن يغفل عنها يفوته خير كثير. لذلك جاءت التوصية القرآنية:
﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الحديد: 21].
المسارعة في أعمال الخير، كالإحسان إلى الآخرين أو المشاركة في خدمة الدين، تُنمّي في النفس الشعور بالقرب من الله، وهذا القرب هو الذي ينعكس على القلب فيخشع عند الوقوف بين يدي الله.
صلاة الجماعة كأعظم الفرص:
من أعظم صور اغتنام الفرص أن يحرص المؤمن على صلاة الجماعة. فهي ليست مجرد أداء جماعي للركعات، بل هي نفحة ربانية جامعة، تُعلّم المسلم الانضباط، وتغرس في قلبه روح الخضوع والسكينة. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
(من صلى مع المسلمين أربعين يوماً في جماعة كُتب له براءة من النار وبراءة من النفاق).
صلاة الجماعة إذن باب واسع للخشوع، لأنها تربي المؤمن على التواضع، وتُحيي فيه معنى التذلل لله مع إخوانه في صف واحد.
آثار ترك اغتنام الفرص:
من لم يتعرض لنفحات الله ولم يحرص على صلاة الجماعة يضيع على نفسه رصيداً عظيماً من الحسنات. ومع مرور الوقت قد يصبح قلبه قاسياً، لا يجد لذة في العبادة ولا خشوعاً في الصلاة، بل يؤديها كعادة مجردة من الروح. وهذا ما حذر منه القرآن الكريم في قوله:
﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5].
الخلاصة
إنَّ اغتنام الفرص في حياة المسلم ليس أمراً ثانوياً، بل هو أساس في بناء الخشوع في الصلاة. فمن تعرّض لنفحات الله، وسابق إلى الخيرات، وحرص على صلاة الجماعة، امتلأ قلبه بالطمأنينة والصفاء، وصارت صلاته معراجاً حقيقياً يرفعه إلى الله تعالى. أما من أعرض عن هذه الفرص فقد يحرم من بركاتها، ويجد نفسه غريباً عن معنى الخشوع، وإن صلى ببدنه ألف مرة.
مواضيع مشابهة
رحيق المجالس -589- موجبات الرحمة الإلهية