قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: آداب الصلاة
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

الشهوة الخفية – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

هناك أمراض في النفس يعرفها الإنسان، فيستطيع أن يعالجها، ويستغفر الله منها، ويحاربها. لكن هناك أمراضًا أدقّ، أخفى، أعمق، تسري في الروح كما يسري السمّ في العروق بلا ألم ظاهر: الشهوة الخفية.

هذه الشهوة ليست مجرّد رغبة حسية، بل ميلٌ داخلي، وسرّ دفين، وتطلّعٌ ذاتي قد يلبسه الإنسان ثوب العبادة، ويغطيه بمظهر الصلاح، فيظن أنه بخير… بينما هو في الحقيقة يفقد أعلى درجات صفاء القلب، ويبتعد عن روح العبادة، وأوّل ما يتجلى ذلك في الخشوع في الصلاة.

 

تعريف الشهوة الخفية: رغبات تتخفّى خلف ستار الدين

ورد في الحديث الشريف: (إحذروا الشهوة الخفية: العالم يحب أن يُجلس إليه).

وهذا الحديث يكشف جانبًا من حقيقة هذه الشهوة:

إنها رغبة الإنسان بأن يُنظر إليه، أن يُمدح، وأن يُعظّم، وأن يُرى صالحًا حتى لو لم يكن كذلك في داخله.

وفي حديث آخر: (إن أخوف ما أخاف على أمتي بعدي: المكاسب الحرام، والشهوة الخفية، والربا).

وهذا يُظهر أن الشهوة الخفية ليست أمرًا ثانويًا، بل خطرٌ حقيقي يهدد إيمان الإنسان، لأنها تُزيّن له الباطن وهو يظن أنه على الحق.

 

التعريفات الواردة عند العلماء:

ذكر العلماء تعريفات كثيرة لها، أهمّها:

الشهوة الخفية: المعصية المستترة في القلب، يعني أنّ النفس تميل إلى ما حرّم الله، تظهر الورع أمام الناس، وتخفي الرغبة داخليًا.

إنه الرياء الباطني، الذي قد لا يشعر به صاحبه.

الشهوة الخفية: النظر بالقلب بعد غضّ البصر، بأن يغضّ الإنسان نظره، لكن خياله يستمر في رسم الصورة…

هذا لون من الشهوة لا يراه الناس، لكنه يُفسِد القلب.

الشهوة الخفية: حبّ اطلاع الناس على العمل، بأن يكون ظاهر العمل لله، لكن داخل القوة الدافعة رغبة بأن يراك الناس.

الشهوة الخفية: طاعة فيها شهوة نفسية مرجّحة، وتعني بأن يكون الإنسان في طاعة، لكن شهوة من شهواته تعرض له، فيرجّح جانب نفسه على جانب الله.

وهنا يدخل في زمرة: {فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا}.

الشهوة الخفية: الشهوة الكامنة التي تظهر بعد حين، فقد يظن الإنسان نفسه طاهرًا منها، ثم تنكشف مع موقف، أو فرصة، أو امتحان.

 

لماذا الشهوة الخفية أخطر من الشهوات الظاهرة؟

لأن الشهوة الظاهرة يقاومها الإنسان: يعرف أنها حرام، يعترف بضعفه، يستغفر، يجاهد.

أما الشهوة الخفية فهي: غير واضحة، غير معترف بها، متسترة بثوب الدين، وقد تتغذّى من أعمال الخير نفسها.

ومن هنا تكمن خطورتها: لأن الإنسان يظن نفسه مطيعًا لله… بينما هو يطيع هواه باسم الطاعة.

 

العلاقة بين الشهوة الخفية وفقدان الخشوع في الصلاة

لماذا لا يخشع الإنسان وهو يصلي؟

الخشوع ليس مسألة تقنية، بل حالة قلبية.

والقلب الذي يتلوّث بالشهوة الخفية يشبه مرآةً صُقِل ظاهرها ولم يُنظَّف باطنها… فينعكس على الصلاة:

لأن هذه الشهوة تشغل القلب

الإنسان الذي يخفي في قلبه رغبة في المدح، أو حبّ النظر، أو تقدير الناس، يدخل الصلاة وقلبه محمّل بهذه الأثقال.

فإذا قال: {إِيّاكَ نَعْبُدُ}، كان في قلبه من ينازع الله في العبادة وهو هوى النفس.

لأن هذه الشهوة تُفسد الإخلاص

والخشوع ثمرة الإخلاص، فإذا فسد الإخلاص، يبقى الإنسان واقفًا بين يدي الله… بجسدٍ حاضر وقلبٍ غائب.

لأن هذه الشهوة تجعل الصلاة عادة لا معراجًا

من كان مبتلى بشهوة خفية، لا يشعر بحلاوة الصلاة، لأن القلب مشغول بغير الله.

فالصلاة تتحول إلى شكل، لا روح، إلى حركة، لا حضور.

لأن هذه الشهوة تمنع نور القلب

الحضور بين يدي الله يحتاج إلى قلب مستعد.

والقلب الذي يحمل ميلًا خفيًا للمعصية، أو حبًا خفيًا للمدح، أو رغبة خفية للظهور، لا يستقبل نور الصلاة.

 

كيف تُكتشف الشهوة الخفية؟

هذه الشهوة لا تُعرف بكثرة العلم، بل: عند الامتحان، عند الخلوة، عند فقدان الجمهور، وعندما لا يراك أحد.

إذا تغير سلوك الإنسان حين يكون وحده، فهذا إشارة أن النفس تعيش شهوة خفية.

وإذا شعر أن الأعمال الصالحة تسعده أكثر حين يُنظر إليه، فهذه علامة أخرى.

 

علاج الشهوة الخفية وبناء الخشوع

المراقبة القلبية المستمرة: أن يسأل الإنسان نفسه: لمن هذا العمل؟ لله؟ أم للنفس؟ أم للنظرة الاجتماعية؟

الإكثار من ذكر الله: فالذكر هو السيف الذي يقطع جذور الهوى.

العمل في الخفاء قدر الإمكان: لأن العمل الخفي يكسر شهوة الظهور.

التفكر في حقيقة الخشوع: الخشوع ليس انكسارًا ظاهريًا، بل رؤية لله وحده، ومن يرى الناس في قلبه لا يستطيع أن يرى الله.

طلب العون من الله بصدق

“اللهم طهّر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة”.

 

وفي الختام:

الشهوة الخفية مرض دقيق، يفسد العبادة من حيث لا يشعر الإنسان.

وهي السبب الأكبر في فقدان الخشوع؛ لأن الخشوع لا يسكن في قلبٍ مزدحم بغير الله.

ومن أراد صلاة خاشعة، فليبدأ من هنا:

تطهير الباطن من الشهوات الخفية، قبل تطهير الظاهر من الشهوات الظاهرة.

فإذا طهر القلب، امتلأت الصلاة نورًا، وأصبح الركوع مقام قرب، والسجود سلّمًا إلى الله.

 

مواضيع مشابهة

خير الزاد – 981 – الشهوة والغضب والخروج من أسرهما

الشهوة العارمة – الشيخ حبيب الكاظمي