قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: آداب الصلاة
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

شرك السرائر في الشهوة الخفية – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

عندما نتحدث عن الشهوة الخفية فنحن لا نتحدث عن شهوة جسدٍ ظاهرة، ولا ميلٍ يمكن للإنسان أن يراه في نفسه ويواجهه، بل نحن أمام شهوة أخطر وأعمق، شهوة تختبئ في طبقات النفس، وتظهر في لحظات دقيقة لا يرى صاحبها نفسه فيها.

وفي عمق هذه الشهوة يقع ما يسميه العلماء شرك السرائر؛ ذلك الشرك الخفي الذي لا يظهر في العمل، بل في النية… في الدافع… في لَـمْحَةِ القلب.

فإن كانت الشهوة الخفية مرضًا، فإن شرك السرائر هو الجذر الذي يولّد هذا المرض، ويجعله ممتدًا في السلوك والعبادة وحركة الإنسان مع الله.

 

معنى الشهوة الخفية وعلاقتها بشرك السرائر:

سبق القول إن الشهوة الخفية هي: شهوة كامنة قد لا يشعر بها الإنسان، أو يشعر بها لكنه يخفيها حفاظًا على مظهر ديني.

وهذا التعريف يفتح الباب لفهم العلاقة بين الشهوة الخفية و”شرك السرائر”.

فكلما خفيت الشهوة وتلطّفت وتسترت خلف مظاهر الخير… كانت أخطر.

لماذا؟

لأن العمل الديني حينها يصبح ظاهره لله وباطنه للنفس، وهنا يكمن الشرك الباطني الذي يعبر عنه القرآن في آية جامعة مانعة: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

الآية هنا لم تتحدث عن الأصنام، ولا عن شرك المشركين، بل عن الشرك الذي يتسلل إلى العبادة نفسها، إلى النية، إلى السرّ… وهذا هو شرك السرائر.

 

ما هو شرك السرائر؟

شرك السرائر هو: أن يؤدي الإنسان العبادة، لكن في قلبه شهوة لنظر الناس، أو رغبة في مدحهم، أو حرص على صورة اجتماعية دينية.

قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}، أي يوم تُكشف الدواخل، وتظهر الحقيقة التي كانت مخفية تحت مظهر الصلاح.

فالسريرة التي تخفي الشهوة الخفية، هي نفسها التي تُعرَض يوم القيامة بلا حجاب: ما الذي كنت تريده؟ لمن كنت تعمل؟ أيّ رغبة كانت تحركك؟ هل كان الله حاضرًا في قلبك أم كان العمل موجهًا للناس؟

وفي الحديث النبوي الشريف: (يا أيها الناس، إياكم وشرك السرائر)

قالوا: وما شرك السرائر؟

قال: (أن يقوم الرجل فيصلي، فيزيّن صلاته لما يرى من نظر الناس إليه… فذلك شرك السرائر).

هذه العبادة ليست لله، بل عبادة للناس، وإن رُفِعت اليدان بالدعاء لله.

 

لماذا الشهوة الخفية أخطر من الرياء؟

قد يظن البعض أن الرياء هو المشكلة الكبرى، لكن الحقيقة أن الشهوة الخفية هي التي تلد الرياء، فهي أعمق منه.

الرياء ظاهر…

أما الشهوة الخفية فهي باطنة، فالشهوة الخفية تولّد حبّ المدح هذا الحب يؤدي إلى الرياء، ولهذا كانت أخطر، لأنها: تتحرك في الظل، تتلبس بلباس الدين، قد يُخدع بها صاحبها نفسه، ويتعبد الإنسان وهو يظن أنه مخلص… بينما دوافعه مشوبة بالهوى.

ولهذا جاء التحذير الشديد منها في النصوص.

 

كيف يتحول شرك السرائر إلى فقدان الخشوع؟

الخشوع روح الصلاة، وروح العبودية، وإنما يتحقق إذا كان القلب خالصًا لله.

لكن القلب الذي يسكن فيه شرك السرائر يصبح: مُراقِبًا للناس، متطلّعًا للمدح، مشغولًا بالصور، غير مستعدّ لمواجهة الله.

فإذا دخل الصلاة، دخل بجسدٍ حاضر وقلبٍ غائب.

والسبب أن الشهوة الخفية تشكّل حاجزًا بين القلب وربّه، فلا يشعر الإنسان بحلاوة الذكر، ولا لذّة السجود، ولا أنسه بقراءة القرآن.

فكيف يخشع قلبٌ هو مشغول بأنظار الناس؟

 

علامات شرك السرائر في حياة الإنسان:

يمكن أن نكتشف هذا المرض الدقيق من خلال أمور، منها:

اختلاف العمل في العلن عنه في الخفاء: فإذا كان الإنسان في خلوتِه أقلُّ عبادةً منه في العلن، فهنا علامة.

الفرح بمدح الناس أكثر من الفرح بطاعة الله: وهي من أخطر العلامات.

انزعاج النفس من عدم رؤية الناس لعمل الخير: وكأن العبادة تحتاج إلى جمهور.

الاهتمام بالشكل الديني أكثر من حقيقة القلب: وهنا تبدأ الشهوة الخفية بالعمل بصمت.

 

علاج شرك السرائر والشهوة الخفية

مراقبة النيّة قبل كل عمل، لأن النية تحتاج إلى تجديد دائم.

الإكثار من الأعمال الخفية، فالعمل الخفي يقهر هوى النفس.

التضرع إلى الله بأن يطهر القلب

محاسبة النفس عند كل ميل للظهور: وعدم ترك الشهوة الخفية تنمو بصمت.

 

وفي الختام:

شرك السرائر ليس وهْمًا ولا مسألة أخلاقية بسيطة، بل هو أخطر أبواب انحراف العبادة، لأنه يُفسد العلاقة بين الإنسان وربّـه من الداخل. وهو الجذر الذي يولّد الشهوة الخفية، ويؤدي في النهاية إلى الرياء، وفقدان الخشوع، وانطفاء نور العبادة.

والإنسان الذي يريد قرب الله عليه أن يبدأ من هنا:

من تطهير السريرة، لأنها ستُكشف يوم «تُبْلَى السَّرَائِرُ»، ولا قيمة لعبادةٍ ظاهرها لله وباطنها للنفس.

 

مواضيع مشابهة

لقاء على الهدى – 34- فلسفة الشهوة عند البشر

الشهوة العارمة – الشيخ حبيب الكاظمي