الربط بين التدين والأخلاق – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
يُطلّ علينا المولد النبوي الشريف ليذكّرنا بالمعنى الأعمق لرسالة النبي صلى الله عليه وآله، فقد وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فجعل من الأخلاق عنوان رسالته، وغاية بعثته، وروح عبادته. فالدين الذي لا يثمر خلقاً، ليس ديناً حقيقياً، وإنما قشر فارغ من المضمون.
التدين لا ينفصل عن مكارم الأخلاق:
يعاني كثير من الناس اليوم من الفصل بين التدين و الأخلاق، فيظنّون أن العبادات تكفي، بينما سلوكهم بعيد عن الرحمة والصدق والأمانة. والحق أنّ التدين هو الوجه الآخر لمكارم الأخلاق، فالصلاة إن لم تنه عن الفحشاء والمنكر، والصيام إن لم يزكِّ النفس ويهذّبها، والحج إن لم يعلّم التواضع والوحدة، فهي ناقصة لم تحقق غايتها.
سرّ البساطة في حياة النبي:
لقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله مثال بساطة العيش. عاش على حصير، ونام على وسادة من ليف، وربط على بطنه الحجر من شدة الجوع، لكنه كان أغنى الناس قلباً، وأرحمهم بالخلق، وألينهم عريكة. هذه البساطة لم تُنقص من مقامه، بل رفعت منزلته، لأنها جعلته متفرغاً للقيم الكبرى، ولإشاعة الرحمة في الأرض.
المولد النبوي دعوة للتجديد
المولد النبوي ليس مجرد ذكرى تاريخية نحييها بالمدائح والأهازيج، بل هو محطة روحية نتزود منها، لنستعيد العلاقة بين التدين الحق و حسن الخلق، ولنربط بين البساطة و القناعة وبين السلوك النبوي العملي. فبهذا فقط نكون من المقتدين حقاً برسول الله صلى الله عليه وآله، ونسير في خطه المبارك.
الخلاصة
في ذكرى المولد النبوي الشريف، نكتشف أن جوهر الرسالة المحمدية هو الأخلاق العظيمة، وأن التدين الحق لا ينفصل عن حسن الخلق، وأن بساطة العيش هي التي تصنع الإنسان المتواضع الرحيم. فإذا أردنا أن نكون من أتباع محمد صلى الله عليه وآله حقاً، فعلينا أن نعيد وصل ما انقطع بين الدين والأخلاق، وأن نجعل البساطة زادنا لنحيا بقلوب نقية وحياة طيبة.
