قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: أضواء
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

العلاقة بين عاشوراء وحسن الخلق – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

مع إطلالة شهر محرّم الحرام، تُطلّ علينا ذكرى عاشوراء الحسين عليه السلام، الحدث الذي لم يكن مجرد واقعة دموية خالدة، بل مدرسة ربانية متكاملة، وصرخة إصلاح في وجه الانحراف والظلم والفساد.

وفي خضمّ الشعائر العاشورائية التي تمتلئ بها المجالس والقلوب، تغيب أحيانًا الرسالة الأخلاقية الكبرى لنهضة الحسين عليه السلام، رغم أنها كانت من أبرز معالم هذه الثورة.

فـ كربلاء لم تكن فقط ميدانًا للجهاد بالسيف، بل كانت أيضًا ساحةً راقيةً للجهاد بالأخلاق، حيث تجلت الرحمة، والصبر، والوفاء، والعفو، والشهامة، في أسمى صورها.

أهمية الأخلاق في النهضة الحسينية

إننا نُخطئ كثيرًا عندما نغفل عن أن حُسن الخلق هو جوهر الدين، وأن عاشوراء في حقيقتها جاءت لإصلاح ما فسد من أخلاق الأمة. وقد صرّح الإمام الحسين (ع) في كلمته الخالدة: “إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”

وهذا الإصلاح لا ينحصر في السياسة فقط، بل يشمل كل جوانب الحياة، وعلى رأسها الأخلاق.

للأسف، يلاحظ أن كثيرًا من المؤمنين الذين يشاركون في إحياء مجالس العزاء وزيارة الإمام الحسين (ع) لا يُترجمون هذا الولاء إلى أخلاق عملية داخل أسرهم، أو مع جيرانهم، أو في تعاملاتهم التجارية والاجتماعية.

كم من زوجين يحضران العزاء سويًا، لكن بينهما خصام دائم!

كم من شاب يضرب على صدره في العزاء، ثم يكذب أو يغش أو يظلم في حياته اليومية!

هذا الانفصال بين العاطفة الحسينية والسلوك الأخلاقي يكشف عن خلل في فهم الدين، لأن الدين لا ينفصل عن الأخلاق، بل يقوم عليها.

عاشوراء كنموذج أخلاقي

جميع شخصيات كربلاء – من الإمام الحسين (ع) إلى أصغر طفل – كانوا قدوات في الأخلاق:

الوفاء: كم وفى أصحاب الحسين (ع) بعهودهم معه، رغم علمهم بالموت!

الصدق: كانوا صادقين في نياتهم حتى في لحظة القتال، فكانت كلماتهم خالصة لله.

الرحمة: الإمام الحسين (ع) نفسه عرض الماء على العدو، وطلب من أصحابه أن لا يبدأوا بالقتال.

التواضع: الحسين (ع) ينادي أعداءه باللين والموعظة، ويطلب لهم الهداية.

هذه النماذج الأخلاقية ليست مجرد مشاهد مؤثرة، بل مناهج سلوك ينبغي أن تُترجم إلى واقع يومي.

هل نربط بين الدين وحُسن الخُلق؟

للأسف، كثير من الناس يفصلون بين الشعائر الدينية والسلوك الأخلاقي، وهذا يعكس غلبة الثقافة المادية التي لا ترى في الدين سوى طقوس دون مضمون.

هل نربط بين التقوى وبين احترام الناس؟

هل نربط بين محبة الحسين (ع) وبين الوفاء بالعهود والصدق في المعاملة؟

هل نربط بين زيارة الأربعين وبين العدل والرحمة والتواضع؟

إذا لم نفعل، فنحن نقع في الخلل الذي حذّر منه أمير المؤمنين (ع): “كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه!”

الاستعداد لعاشوراء يبدأ بالأخلاق

الاستعداد الحقيقي لعاشوراء لا يكون فقط بشراء اللباس الأسود، أو تحضير القصائد والدموع، بل يبدأ بـ: مراجعة أخلاقنا في البيت والعمل، وإصلاح علاقتنا بالله وبالناس، ومن ثم الالتزام بالصدق، والنزاهة، والرحمة، والتواضع، وأخيراً تطبيق دروس كربلاء عمليًا في حياتنا اليومية.

فكما أن الحسين عليه السلام نادى في كربلاء: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة”

فنحن أيضًا مخيّرون: إما أن نعيش أخلاقيًا فنفوز، أو نعيش بوجوه دينية ومضامين فاسدة فنخسر.

وفي الختام:

إن أعظم وفاء نقدمه للإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء، ليس بالبكاء وحده، بل بأن نحيا أخلاقه في حياتنا.

فما أحوجنا اليوم إلى أن نُحيي عاشوراء في تعاملنا مع أهلنا، في صدقنا، في إنصافنا للناس، في عفتنا وأمانتنا، وأن نُثبت للعالم أن محبة الحسين ليست شعارًا يُعلَّق، بل سلوكًا يُعاش.

عاشوراء ليست مناسبة موسمية، بل ميزانٌ يومي لحقيقتنا الأخلاقية… فليكن كل واحد منّا صورةً صغيرةً من كربلاء، لعلنا نُحشر تحت راية الحسين عليه السلام يوم لا ينفع مال ولا بنون

مواضيع مشابهة

رحيق المجالس -671- الأخلاق الحسينية

مزية الأخلاق الحسنة