صفات العقل الكامل في كلمات عالم آل محمد ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
في زمن اختلطت فيه المعايير، وتعددت الألقاب، واشتبهت فيه الحقائق، يبحث المؤمن عن طريقٍ واضحٍ يسلكه ليصل إلى الكمال. ولأن الشريعة لم تتركنا بلا دليل، فقد زوّدنا أئمتنا عليهم السلام بكلمات هي مشاعل في الطريق. ومن تلك المشاعل النورانية، ما ورد في كتاب تحف العقول عن الإمام الرضا عليه السلام، حين رسم خارطة كمال عقل المسلم بعشر خصال تُعدّ منهجًا للتربية الإيمانية والفكر السليم.
صفات العقل الكامل:
عن الإمام الرضا عليه السلام قال:
“لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة…”
ثم ختم بقوله: “العاشرة، وما العاشرة؟! قيل له: ما هي؟ قال: لا يرى أحداً إلا قال: هو خير مني وأتقى…”
شرح الرواية وبيان مضامينها التربوية:
الخير منه مأمول، والشر منه مأمون: العقل الكامل لا يُنتَظر منه إلا الخير، فهو مصدر أمانٍ للناس لا مصدر قلق. لا يَخاف جاره بوائقه، ولا يَخشاه الضعيف، ولا يُؤذي القريب أو البعيد.
يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه: هو دائم النظر إلى فضل الآخرين، يضخّم حسناتهم ويهوّن من خير نفسه، حتى لا يتسلل الكِبر إلى قلبه. يرى نفسه مقصرًا وإن أطال القيام، ويرى غيره مفضَّلًا ولو قدّم القليل.
لا يسأم من طلب الحوائج إليه: كبير القلب لا يضيق بالناس، يفتح لهم صدره وقلبه، لا يتبرّم من كثرة طلباتهم، بل يرى في خدمتهم قربة وطريقًا إلى الله.
ولا يمل من طلب العلم طول دهره: العاقل لا يكتفي بما لديه من علم، بل يظل طالبًا، حتى آخر لحظة من حياته. العلم بالنسبة له كالماء العذب، لا يُرتوى منه.
الفقر في الله أحب إليه من الغنى: هو يعلم أن الفقر في سبيل الله غنى، وأن الغنى مع المعصية فقر. فاختار ما عند الله على زخارف الدنيا.
والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه: لا يستقوي بالمخالفين، ولا يطلب عزًّا من عند من يعادي الله. الذل في طريق الله مكرمة، والعزّ عند عدوه مذلة.
الخمول أشهى إليه من الشهرة: لا يبحث عن الأضواء، ولا يسعى وراء التصفيق. يكفيه أن يعرفه الله، وإن جهلته الدنيا كلها.
القمة في الكمال:
ثم يأتي مسك الختام: “لا يرى أحداً إلا قال: هو خير مني وأتقى”
في هذا الموقف قمة الإيمان ونضج العقل. لأن المؤمن يرى كل أحد إما فوقه في الطاعة، أو مبتلى بما سلِم هو منه.
فإذا رأى العاصي قال: ربما تاب فكان خيرًا مني، وإذا رأى المطيع، تواضع له وقال: لعلّ الله قبله وحرمني، فهو بين تواضع وحياء، لا بين كِبر وازدراء.
أثر هذا الخُلق في الفرد والمجتمع:
علو المجد: لأنه بنى شخصيته على طاعة الله، لا على مدح الناس.
طيب الذكر: لأن الناس تحب من تواضع لهم ولم يرَ نفسه خيرًا منهم.
السيادة الأخلاقية: لا بالمال ولا بالمنصب، بل بنقاء الروح وصدق الإيمان.
وفي الختام:
هذه الرواية ليست توصيفًا نظريًا، بل برنامج حياة. هي دعوة لأن ننظر في أنفسنا:
هل الخير مأمول منا؟ هل نستصغر أعمالنا ونُعظِّم أعمال الآخرين؟ هل نتحمّل حاجات الناس ونسعى في خدمتهم؟ وهل حقًا نرى كل إنسان خيرًا منا؟
هكذا يُوزن عقل الإنسان في ميزان أهل البيت عليهم السلام، لا بكثرة المعلومات، بل بكمال السلوك ونقاء القلب.