قبسات من حياة الإمام الباقر ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
الإمام محمد الباقر عليه السلام هو أحد أعلام أهل البيت النبوي، وخامس أئمة الهدى من نسل علي وفاطمة عليهما السلام. لقّب بـ”الباقر” لأنه بَقَر العلم بقراً، أي شقّق أبوابه وأظهر أسراره، فكان رائدًا في نشر العلوم الإسلامية في زمن الانفراج السياسي النسبي الذي أعقب انشغال الأمويين بمواجهة المد العباسي.
نسبه الشريف وبشارة النبي به
هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد في غرة شهر رجب سنة 56 هـ في المدينة المنورة يوم الجمعة، في بيتٍ تتفجر منه ينابيع النبوة والإمامة.
وقد بشّر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري بأنه سيدرك الإمام الباقر عليه السلام، وأمره أن يبلغه سلامه، وهو ما وثّقته كتب الحديث والتاريخ.
الإمام الباقر في كربلاء
رغم صغر سنّه، إلا أن الإمام الباقر عليه السلام واكب أحداث كربلاء الأليمة، فكان شاهدًا على الفاجعة العظمى التي ألمّت بجده الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته. كما رافق أباه الإمام زين العابدين عليه السلام في رحلة السبي إلى الشام، وعايش ألوان الظلم والاضطهاد الذي حلّ بأهل البيت عليهم السلام.
هذا المشهد ترك بصمة عميقة في وجدان الإمام الباقر، وظهر أثره في الخطاب النهضوي العلمي الذي تبنّاه لاحقًا.
دوره العلمي: تجديد الرسالة المحمدية
لقد عُرف الإمام الباقر عليه السلام بأنه مجدد علوم النبي صلى الله عليه وآله، وهو من أبرز من مَهّد للنهضة العلمية التي ظهرت لاحقًا في زمن ولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
في زمنه، انشغلت الدولة الأموية بالاضطرابات الداخلية والصراع مع العباسيين، وهو ما أتاح فرصة نادرة لأهل البيت عليهم السلام لنشر علومهم بعيدًا عن رقابة السلطان.
وقد وصفه المستشار المصري عبد الحليم الجندي في كتابه الإمام جعفر الصادق بـ”أستاذ البشرية”، مشيرًا إلى أن علوم الباقر كانت امتدادًا نقيًا لعلوم الوحي.
إمامته ووصيته لولده الإمام الصادق
امتدت إمامة الإمام الباقر عليه السلام تسعة عشر عامًا، من سنة 95 هـ إلى 114 هـ. وخلالها استطاع أن يُعِدّ نخبة من الرواة والعلماء الذين حملوا فكر أهل البيت.
وقد روى هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
“لما حضرت أبي الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرًا”، في إشارة واضحة إلى حرص الإمام الباقر على الرعاية الأخلاقية والتربوية لطلابه وأصحابه حتى بعد وفاته.
لقبه “الباقر” ومعناه النبوي
سمي الإمام بـ”الباقر” لأنه “يبقر العلم بقراً”، أي يحلّق في فضاءاته ويُخرج كنوزه ويفتح أبوابه. وقد أطلق النبي صلى الله عليه وآله هذا اللقب عليه قبل أن يولد، في رواية موثقة عن جابر الأنصاري، الذي نُقل عنه أنه رأى النبي وأخبره عن الإمام الباقر تفصيلاً، بل وبلّغه سلام الرسول الكريم.
وفي الختام:
حياة الإمام الباقر عليه السلام تمثل مرحلة مفصلية في تاريخ الإسلام، إذ كان فيها التحول من مرحلة الصراع السياسي إلى البناء العلمي. وقد استطاع هذا الإمام الجليل أن يبني جيلًا وعيًا على أساس النبوة والإمامة، ممهدًا الطريق للنهضة الفقهية الكبرى التي ظهرت في زمن الإمام الصادق عليه السلام.
إن قبسات حياته تُعدّ مشاعل هداية لكل من أراد أن يعيش الإسلام بعقلٍ واعٍ وقلبٍ صادقٍ.