دروس من سيرة الإمام العسكري ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
عاش الإمام الحسن العسكري عليه السلام في فترة من أصعب مراحل التاريخ الإسلامي، حيث كانت السلطة العباسية تمارس كل أشكال التضييق والرقابة على الأئمة وشيعتهم. ورغم هذا الحصار الشديد، تمكن الإمام العسكري عليه السلام من الحفاظ على قوة العقيدة لدى أتباعه عبر أساليب متعددة، جمعت بين التربية الروحية، وترسيخ الإيمان بالغيب، وتربية الشيعة على دقة محاسبة النفس.
إحياء البعد الغيبي في العقيدة:
كان الإمام العسكري عليه السلام كثيرًا ما يحدّث شيعته عن الغيبيات، والسبب أن كلما غرق الناس في عالم المادة، زادت حاجتهم إلى تذكيرهم بعالم الغيب.
من ذلك ما روي عن الحسن بن ظريف الذي كتب للإمام العسكري عليه السلام يسأله عن القائم المهدي عليه السلام، فأجابه الإمام:
“إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داوود عليه السلام لا يسأل البينة”
وهذا يرسّخ في أذهان المؤمنين أن الإمام المهدي عليه السلام مؤيد بالعلم الإلهي اللدني، وأن العقيدة ليست أفكارًا فلسفية مجردة، بل امتدادًا لوعد إلهي ثابت.
الجمع بين القضايا العقائدية والاحتياجات اليومية
من أساليبه التربوية المميزة أن الإمام العسكري عليه السلام لم يقتصر على القضايا الكبرى، بل اهتم حتى بشؤون الناس اليومية.
فقد روي أن الحسن بن ظريف كان يريد أن يسأل الإمام عن علاج الحمى، لكنه نسي. فجاءه الجواب من الإمام مع الآية الكريمة:
“يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم”
فلما علّقوا الحرز على المريض أفاق بإذن الله.
هذا الموقف جعل الشيعة يرون أن إمامهم هو مرجعهم في الدين والدنيا، في العقيدة كما في الصحة والمعاش، مما عمّق تعلقهم به.
التربية على دقة محاسبة النفس
من أبرز أساليب الإمام العسكري عليه السلام أنه كان يربي أصحابه على محاسبة النفس بدقة، وعدم استصغار الذنوب.
عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت الإمام العسكري عليه السلام يقول:
“من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا”
ثم بيّن أن الشرك والمعاصي الصغيرة قد تكون أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء.
بهذا الأسلوب كان الإمام يغرس في النفوس الخشية الدائمة من الله، ويمنع المؤمن من الغرور بأعماله أو التساهل بالمعاصي.
مواجهة الفتن بالتربية الإيمانية
كان المجتمع الشيعي محاطًا بالفتن، سواء من ضغوط السلطة أو من تيارات فكرية منحرفة. فجعل الإمام العسكري عليه السلام من الوعي الغيبي، والتربية على محاسبة النفس، وربط القلوب بالإمام المهدي عليه السلام، أسلحة إيمانية لتحصين شيعته من الانحراف، وتثبيتهم في خط العقيدة الصحيحة.
خلاصة
لقد استخدم الإمام الحسن العسكري عليه السلام أساليب متعددة ومتوازنة في تثبيت العقيدة:
إحياء الغيب ليبقى الإيمان حيًا، والجمع بين العقيدة وشؤون الحياة لتوثيق الصلة بالإمام، وتربية دقيقة على محاسبة النفس لمنع الغفلة عن الذنوب، وتحصين الشيعة من الفتن عبر الارتباط الروحي بالإمام المهدي عليه السلام.
وهكذا برز الإمام العسكري عليه السلام كقدوة في القيادة الروحية التي حافظت على العقيدة نقية رغم كل التحديات.
