قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: الحوراء الإنسية
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

هيبة الوالدين وبرهما (2) – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

في هذه الحلقة سنتناول شرح فقرةٍ من الخطبة الفدكية المباركة، حيث قالت الزهراء عليها السلام: «وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ»، وهي من العبارات البليغة التي تكشف عمق البعد التربوي والأخلاقي في وصايا السماء. فبرّ الوالدين ليس مجرد خُلق اجتماعي، بل هو مِفتاح الرضا الإلهي، ودرعٌ واقٍ من سخط الله وغضبه، كما دلّت النصوص النبوية والعلوية الشريفة.

 

البرّ كطريقٍ إلى الرضا الإلهي:

روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قوله:

(رِضا اللّه في رِضا الوالِدِ، وسَخَطُ اللّه في سَخَطِ الوالِدِ).

هذه الكلمة النبوية تختصر علاقة الولد بربّه عبر بوابة الوالدين، فهما المظهر الأقرب لرحمة الله في الأرض، ومن خلال برّهما يتحقق العبد بالرضا الإلهي. لذلك لم يجعل الإسلام البرّ بهما أمراً ثانوياً أو مستحباً عابراً، بل ربطه بالتوحيد نفسه في قوله تعالى:

بر الوالدين

 

البرّ درعٌ من السخط الإلهي:

الزهراء عليها السلام عبّرت بدقةٍ لاهوتية عندما قالت: «وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ»، فالبرّ لا يقتصر على تحصيل الثواب، بل يمنع البلاء قبل نزوله. إن سخط الوالدين يُجرّ سخط الله، وسخط الله لا يُحتمل. ومن هنا جاء الحديث النبوي: (هما جَنَّتُكَ ونارُكَ).

أي أن سلوكك مع والديك هو الذي يُقرّر مصيرك في الدنيا والآخرة، فإن كنت بارًّا بهما نِلتَ الجنة، وإن عققتهما وقعت في النار.

 

البرّ سلوك فطري ومقام أخلاقي:

عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (برّ الوالدين من أكرم الطباع).

فهو ليس تكلّفاً ولا عبادةً ثقيلة، بل هو ميلٌ فطري في النفس السليمة. ومن يقطع هذه الصلة إنما يُخالف فطرته قبل أن يعصي ربّه. فالبِرّ يُزكّي القلب، ويُنمّي الرحمة، ويُعلي المقام عند الله والناس.

 

ثمرة البرّ في العمر والرزق:

يؤكد النبي صلى الله عليه وآله هذا المعنى بقوله: (مَن سَرَّهُ أن يُمَدَّ لَهُ في عُمُرِهِ، ويُزادَ في رِزقِهِ، فلْيَبَرَّ والِدَيهِ، ولْيَصِلْ رَحِمَهُ).

فالبرّ ليس عبادةً روحية فحسب، بل هو قانون كوني يجلب البركة في العمر والرزق، لأن الله يجعل من رضاه على الوالدين مفتاحاً لكل توفيق.

وفي ضوء هذا المعنى، نفهم أن الزهراء عليها السلام عندما عدّت برّ الوالدين وقاية من السخط، أرادت أن تربّي الإنسان على الشعور المستمر بالمسؤولية تجاه مصدر وجوده، وأن يرى في رضا والديه انعكاساً لرضا الله عليه، وأن يجعل البرّ لهما عبادةً يومية لا تُحدّ بسنٍّ ولا ظرفٍ.

 

وفي الختام:

إنّ بر الوالدين ليس مجرّد خُلق اجتماعي، بل هو مِعيار الإيمان وميزان الأخلاق، فمن أراد أن يعيش في ظلّ رضا الله فليجعل برّ والديه شعار حياته وسرّ عبادته.

 

مواضيع مشابهة

ليتفقهوا في الدين -236- أحكام بر الوالدين

أحكام طاعة الوالدين