وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
في هذا الجزء من الخطبة الفدكية المباركة، تتابع السيدة الزهراء عليها السلام بيانها لمكارم الأخلاق وآثارها في حياة الإنسان، فتقول: «وَصِلَةَ الأرحامِ مَنْسَأَةً فِي العُمُرِ وَمُنْمَاةً لِلْعَدَدِ»، وهي عبارة جامعة تختصر فلسفةً اجتماعية وروحية عميقة في منظومة القيم الإسلامية، إذ تشير إلى أن صلة الأرحام ليست مجرّد علاقةٍ عاطفيةٍ أو عرفٍ اجتماعي، بل هي سُنّة إلهية ترتبط بطول العمر ونماء البركة في الأهل والذرية.
صلة الرحم… امتداد للحياة:
كلمة «منسأة في العمر» تعني أن صلة الرحم سبب في إطالة العمر، لا بمعنى زيادة السنين فقط، بل في بركتها وجودتها. فالذي يصل رحمه يعيش عمره بطمأنينةٍ وسكينةٍ ورضا، وكأن الله يمنحه حياةً أطول وأغنى. وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: «مَن سَرَّهُ أن يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
أي أن البركة في العمر تُستجلب بحسن التواصل مع الأرحام، لأن الله يُبارك في عمر من يجعل رحمَه موصولاً بحبٍّ وإحسان.
صلة الرحم… نماء في العدد والنسل:
أما قولها «ومنمّاة للعدد» فيشير إلى البعد الاجتماعي لصلة الأرحام، فهي سبب لوفرة الذرية واتساع العائلة وتماسك المجتمع. فالمجتمع الذي تُبنى علاقاته على القطيعة والخصومة يضمحلّ ويتفكّك، بينما الذي تُشدّ أواصره بالمودة والرحم يزدهر ويتكاثر ويقوى. لذلك نجد أن الإسلام جعل صلة الأرحام من مقاييس الإيمان، فقال الإمام الصادق عليه السلام:
«صلة الرحم تزكّي الأعمال، وتُنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتُهوّن الحساب، وتُنسئ في الأجل».
البعد الروحي والاجتماعي لصلة الرحم:
تربط الزهراء عليها السلام في هذه الفقرة بين سلوك الإنسان الاجتماعي وثمراته الوجودية، فصلة الرحم لا تقتصر على زيارة الأقارب أو السؤال عنهم، بل هي تفاعل قلبي وسلوك عملي يزرع المحبة ويُطفئ الأحقاد ويُعيد اللحمة الإنسانية إلى أصلها الطاهر. ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «صلة الرحم عمارةُ الدين، وزيادةٌ في العمر، وتوسعةٌ في الرزق».
القطيعة… طريق الفناء والضيق:
كما أن صلة الرحم تجلب البركة، فإن قطيعتها تُورث الضيق والبلاء، وقد ورد التحذير الشديد عنها في القرآن الكريم:
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ…}.
فمن قطع رحمه، قطع الله عنه أسباب البركة والراحة، وجعل حياته قصيرة المعنى وإن طالت مدّتها.
وفي ضوء هذه الكلمات الفاطمية النورانية، ندرك أن صلة الأرحام ليست مجرّد واجب اجتماعي، بل هي سرّ الحياة الممدودة، والبركة المتجدّدة في الأهل والمال والعمر. فالمؤمن الواعي لا يرى في صلة رحمه واجباً ثقيلاً، بل عبادةً تُرضي الله وتنعكس خيراً على دنياه وآخرته.
وفي الختام:
اجعل من صلة رحمك عبادةً دائمة، فإنها تفتح لك أبواب الرزق، وتُطيل لك العمر بالبركة، وتغرس في ذريتك روح المودة والإيمان، فكما قال النبي صلى الله عليه وآله: «الرحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».
 
								

