قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: الحوراء الإنسية
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

نفحات من خطبة السيدة الزهراء ع في نساء المدينة – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

تُعدّ الخطبة العظيمة للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في بيتها حين اجتمعت نساء المهاجرين والأنصار، واحدة من أهم النصوص التي كشفت بوضوح حقيقة المشروع الإلهي الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وآله للمجتمع الإسلامي بعد وفاته، وكيف أنّ الأمة لو التزمت بما تركه من وصايا وخلافة وإمامة، لتبدّلت أحوالها من الاضطراب إلى الاستقرار، ومن التشتت إلى الوحدة، ومن الظلم إلى العدالة.

فالزهراء عليها السلام لم تكن تتحدث من موقع عاطفي أو شخصي، بل من موقع الشاهدة على الوحي، العارفة بسنن الله في الأمم، والخبيرة بالنتائج التي ستؤول إليها الأمة حين تترك القيادة التي عيّنها النبي صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى.

لقد أرادت سيّدة نساء العالمين أن تُسمِع نساء المدينة ـ ثم رجالها ـ حقيقةً واحدة:

لو أنّ الناس كفّوا عمّا أعطاه رسول الله لأمير المؤمنين عليه السلام، لكان وجه التاريخ مختلفًا تمامًا.

 

القيادة الإلهية الممنوحة لأمير المؤمنين عليه السلام

عندما قالت السيدة الزهراء عليها السلام إنّ الناس لو تركوا ما أعطاه النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام من الزمام لكانت حياتهم هنيئة، فهي تُشير إلى حقيقة قرآنية ونبوية:

إنّ الإمامة نصٌّ إلهي وليس رأيًا بشريًا.

وإنّ عليًا عليه السلام هو الامتداد الطبيعي للرسالة.

وإنّ التعدّي على هذا المقام هو تعدٍّ على النظام الإلهي الذي نُسجت به حياة الأمة.

 

فما كان عليٌّ عليه السلام يومًا طالب دنيا ولا مستأثرًا بسلطة، بل كان رجل الحقّ، والميزان الذي تُعرف به المقاييس، والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله: (علي مع الحق والحق مع علي(.

لكنّ ابتعاد الناس عن هذه القيادة هو الذي أدّى إلى الانقسامات، وإلى دخول المصالح القبلية والسياسية في الحكم، فاختلطت المعايير، وتغيّرت البوصلة.

 

سمات الحكومة العلوية التي تحدّثت عنها السيدة الزهراء عليها السلام:

في خطبتها المباركة، رسمت الزهراء عليها السلام ملامح الحكومة المهدية التي كانت ستقوم لو أُطيع رسول الله صلى الله عليه وآله. وهي حكومة لا تشبه حكومات الدنيا، لأنها تقوم على عناصر ربانية فريدة. ومن هذه الملامح:

الفصل بين الحق والباطل:

كان علي عليه السلام المعيار الذي يُعرف به الحق، فهو باب مدينة العلم، وقاضي الأمة الأول، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

ولو حَكَم، لكان ميزان العدالة قائمًا على: الدليل الشرعي والحكم القيمي والعدل الإلهي، لا على الهوى ولا على المصالح ولا على العصبيات القبلية.

إنّ الأمة التي يكون في رأسها رجل كعلي عليه السلام لا يمكن للباطل أن يختلط فيها بالحق، ولا للظلم أن يُسقى بلباس الشرعية.

الحدّ من استبداد المنافقين وبقايا المشركين:

ذكرت السيدة الزهراء عليها السلام أن في الأمة عناصر لم تمت جذورهم بعد من النفاق والشرك، وأنّ الحكم لو كان بيد علي عليه السلام لقطع الطريق على هذه الفئات، ومنعها من التسلّل إلى مواقع القرار.

فالمنافقون كانوا: يحرّضون، يُشكّكون، يُثيرون الفتن، ويستغلّون ضعف المجتمع

ولذلك قال تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ… لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ).

ومِن أخطر ما جرى هو أنّ هذه الفئات تمكّنت فيما بعد من صناعة الانقسامات التي أدّت إلى الحروب والدماء.

ارتواء متعطّشي العدالة:

كان المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بحاجة إلى قائد: مستقيم في قضائه، زاهد في خيراته، لا يميّز بين قريب وبعيد، ولا بين عربي وغير عربي، وكان علي عليه السلام هو الوحيد الذي يمكن أن يُروِي عطش الأمة إلى العدالة.

وقد شهد له الأعداء قبل الأصدقاء: (قُتل عليٌّ في محرابه لشدة عدله).

فالزهراء عليها السلام أرادت أن تقول: إنّ الضغط والحرمان والظلم الذي عاشته الأمة بعد ذلك لم يكن ليوجد لو بقي الحكم في موضعه الذي نصّ عليه الوحي.

حاكم لا علاقة له بالدنيا:

هذه من أعمق النقاط التي ذكرتها السيدة الزهراء عليها السلام.

فالإمام علي عليه السلام لم يكن رجل ملك ولا رجل قصر؛ بل رجل عبادة وتقوى وقلب معلق بالآخرة.

ولذلك كانت دولته ستكون دولة: لا تُشترى فيها الذمم ولا تتحكم فيها الأطماع ولا يكون للمال فيها سلطان ولا لمظاهر الدنيا فيها نصيب، وكان الناس سيعيشون في ظل حاكم يرى الدنيا مثل نعل بالٍ، فيعلّم الأمة كيف تعيش كرامتها لا من أجل دنيا زائلة بل من أجل حقّ خالد.

تمييز الصادق من الكاذب:

إنّ القيادة الإلهية تكشف الناس على حقيقتهم.

وأمير المؤمنين عليه السلام كان المرآة التي تظهر فيها النفوس: المؤمن ينجذب إليه والمنافق ينفر منه وصاحب المصلحة يعاديه.

ولذلك قالت السيدة الزهراء عليها السلام: لو حكم لظهر الصادق من الكاذب، ولعرفت الأمة من هو مع الحق ومن هو مع الهوى.

تفجّر البركات من السماء والأرض:

هذه ليست مجازًا أدبيًا؛ بل هي سنة إلهية.

فالقرآن قال بوضوح: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

وربطت السيدة الزهراء عليها السلام بين ولاية علي عليه السلام وبين جريان البركات، لأن: الحق يُصلح المجتمع، والعدل يُنمّي الاقتصاد، واليقين يُثبت الأمن، والقيادة الشرعية تجلب التوفيق الإلهي

ولذلك قالت: لو أطاعوا عليًا لفتحت عليهم البركات من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون.

لماذا قالت السيدة الزهراء ذلك لنساء المدينة؟

لقد كانت نساء المدينة هنّ القناة الأسرع لانتشار الكلام، وهنّ اللواتي ينقلن الحقائق إلى بيوتهن من غير تشويه أو التواء.

وكانت السيدة الزهراء عليها السلام تريد: إيقاظ الضمير الإسلامي، وتحريك الوعي الجمعي، تذكير الأمة بما ضيّعته ومن أين بدأ الانحراف.

لقد كانت تعرف أنّ التاريخ سيكتب، وأنّ الأجيال ستتساءل: كيف تغيّر الإسلام بعد رحيل النبي هذه السرعة؟

فأرادت أن تضع الحقيقة في موضعها، وتحمّل الأمة مسؤوليتها، وتترك حجة لله في الأرض.

 

الخلاصة: إنهم لم يتركوا الأمر لأهله… فخسروا البركات:

لقد لخّصت السيدة الزهراء عليها السلام في خطبتها السنن التاريخية التي تتكرر في كل أمة:

حين يُترك الميزان الإلهي ويُستبدَل به ميزان الهوى، فإنّ: البركات ترتفع، والفتن تنتشر، والظلم يشتد، والحق يُحاصر، والمجتمع يدمّر نفسه بيديه

وما أصاب الأمة فيما بعد من: حروب وانقسامات وانحرافات سياسية واغتيالات وتشتّت فكري، هو من ثمار ذلك اليوم الذي لم يُسلّم فيه الناس ما أمر الله به لوليّه.

 

مواضيع مشابهة

لقاء الأحبة – 61 – دروس من حياة السيدة الزهراء عليها السلام

علاقة السيدة الزهراء (ع) بأبيها المصطفى (ص)