قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: الشموس الطالعة
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

ماذا نعرف عن أعظم أمهات المؤمنين (1) – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

قلوب المؤمنين تنجذب بطبعها إلى السيدة الزهراء عليها السلام، لأنها روح الرسالة ونور الولاية، ومهبط الرحمة الإلهية. وكل من أحبّ الزهراء عليها السلام، لا بد أن يشعر بأن وراء هذا النور نورًا، ووراء هذه القداسة أصلاً طاهرًا مباركًا هو السيدة خديجة الكبرى عليها السلام.

فمن حقّ الزهراء عليها السلام علينا – ومن حقّ الإيمان ذاته – أن نتعرّف على والدتها، سيدة نساء أهل الجنة، أوّل المؤمنين، ووارثة الطهر قبل أن تتشرف بولادة الزهراء عليها السلام.

 

أهمية معرفة السيدة خديجة عليها السلام:

إنّ معرفة السيدة خديجة عليها السلام ليست دراسة تاريخ، بل معرفة موقف، وروحية، وولاية. فالله تعالى ما جعلها أمًّا للمؤمنين إلا لما استودعه في قلبها من نور اليقين، وقوة التصديق، ومقامات من الصبر والإيثار لا يمكن لحياة المسلمين أن تُفهم دونها.

 

لماذا يجب علينا معرفة السيدة خديجة عليها السلام؟

إنّ الحديث عن السيدة خديجة عليها السلام ليس حديثًا عن امرأة عابرة، ولا عن شخصية منسية في زاوية التاريخ، بل عن أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله، وأول من احتضن الرسالة، وأول من جاهد بماله ونفسه وثقته الراسخة بالله.

 

معرفتها واجبٌ روحي، لأنها:

أصل نور الزهراء عليها السلام: فالزهراء ثمرة شجرة خديجة، وباطن نورها من نور أمّها.

أوّل سند للرسالة: لم يقف مع النبي صلى الله عليه وآله في لحظة إعلان الدعوة أحد… لا رجل، ولا عشيرة، ولا مال، ولا قوة. إلّا خديجة عليها سلام الله.

من أهمّ أبواب التوسل والشفاعة: فهي أمّ المؤمنين حقًا، ومقامها عند الله عظيم، ودعاؤها قريب من باب الرحمة الإلهية.

مدرسة في الصبر والإيثار: ومن يريد الاقتداء بالزهراء عليها السلام، عليه أن يبدأ من فهم كيف تربّت الزهراء في حجر أمٍّ بهذه الروحية.

 

ولادة السيدة خديجة عليها السلام ونشأتها:

وُلدت السيدة خديجة بنت خويلد في مكة المكرمة، في بيت من أشرف بيوت قريش نسبًا ومروءةً وكرمًا.

لكنّ ما ميّزها ليس نسبها فقط، بل عقلها الراجح وروحها الطاهرة، حتى لقبها قومها قبل الإسلام بـ «الطاهرة»، وهذا لقب لم يُعطَ لامرأة بسهولة في مجتمع جاهليّ يعظم الأخلاق.

نشأت خديجة عليها السلام وهي ذات شخصية قوية، ذات حضور اجتماعي لافت، وصاحبة مال وتجارة واسعة. لكنّها – خلافًا لنساء زمانها – لم يغترّ قلبها بالدنيا، بل كانت ذات ميلٍ روحي، تتأمل في شأن الله وتروي الناس من كرمها، وكأنها مهيّأة لنصيبٍ آخر، أعلى وأقدس.

 

نصرة السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وآله

هنا تتجلّى عظمتها الحقيقية، فعندما أشرق نور الوحي في غار حراء، وعاد النبي صلى الله عليه وآله إلى بيته خائفًا ممّا رآه من عظمة الموقف، لم يجد في هذا العالم مكانًا يضع فيه قلبه إلا حضن خديجة عليها السلام.

وهي أوّل من استقبل النبوة بلا تردّد، وقالت للنبي كلمة لا يقولها إلا قلب عاشق للحق:: (كَلّا، واللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبدًا).

هذه الكلمة كانت أول نَفَسٍ يبعث الطمأنينة في صدر النبي بعد نزول الوحي.

وكانت أول شهادة صدقٍ من إنسان في الأرض تجاه أطهر خلق الله.

قدّمت مالها للرسالة، حتى قال النبي صلى الله عليه وآله: (ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب).

وقدمت نفسها، فصبرت على حصار الشعب، وعلى الجوع، وعلى القطيعة، ولم تترك النبي لحظة واحدة، حتى سُمّي عام وفاتها بـ عام الحزن.

 

وفاة السيدة خديجة عليها السلام ومكانتها عند الله

توفيت السيدة خديجة عليها السلام قبل الهجرة بثلاث سنوات تقريبًا، بعد معاناة شديدة في حصار شعب أبي طالب، ولكنّ وفاتها لم تكن نهاية حضورها، بل بداية مقامها.

فهي: أول زوجات النبي في الجنة، أم الزهراء عليها السلام، من صفوة نساء العالمين، ومن أعظم من خدم الرسالة الإلهية بقلبٍ خالصٍ لا يعرف تلوّث النفاق.

ولم ينسَ النبي فضلها يومًا، بل كانت ذكراها تبكيه، وتثير غيره نسائه، فيقول: (آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس).

كل هذا يدل على مقامٍ لا يُقاس بمقاييس الدنيا.

 

أهمية التوسل بالسيدة خديجة عليها السلام:

التوسل بالسيدة خديجة عليهم السلام بابٌ من أبواب الرحمة، لأنها: صاحبة قلب مطهّر، أمّ الزهراء وأصل النور الفاطمي، أول من نصر النبي، ومن نصر النبي نَصَرَه الله، نموذج للإخلاص، والملائكة تُحب أهل الإخلاص، والإنسان إذا وقف في بابها، وقف عند باب صدقٍ وإيمانٍ وقربٍ من الله.

وهي – كما ورد – من أول الداخلين إلى الجنة، ولا يتقدمها في النساء إلا ابنتها الزهراء عليها السلام.

 

وفي الختام:

معرفة السيدة خديجة عليها السلام ليست مجرد قراءة تاريخية، بل هي تربية قلبٍ على الفهم الصحيح لروح الرسالة.

فمن أراد أن يفهم الزهراء، فليبدأ من خديجة.

ومن أراد أن يعرف معنى النصرة، فليقرأ سيرتها.

ومن أراد أن يذوق طعم الإخلاص، فليقف طويلاً عند حياتها.

إنّها صفحة نور في كتاب الإسلام، كلما أعدنا قراءتها ازددنا يقينًا بأن الله يرفع عباده بصدقهم، لا بكثرتهم، وبإخلاصهم، لا بإظهارهم.

 

مواضيع مشابهة

رحيق المجالس – 325 – أم المؤمنين خديجة عليها السلام

السيدة خديجة (سلام الله عليها)؛ مواقف من سيرتها