خصائص علي الأكبر عليه السلام – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن مقام ومنزلة علي الأكبر عليه السلام هي أشهر من أن تذكر، وهي أعلى وأرقى مما نتصور، وإننا لم نعط علي الأكبر حقه من التعظيم والتجليل، ولو عرفنا منزلته عند أهل البيت عليهم السلام وعند الله جل وعلا لاهتممنا بشأنه وأحواله أكثر من ذلك بكثير.
في الطريق إلى كربلاء وفي منزل قصر بني مقاتل خفق الإمام الحسين عليه السلام -أي نام على ظهر فرسه- قليلا ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، فأقبل إليه ابنه علي الأكبر عليه السلام فقال له: يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت؟ فقال: يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: أبه، لا أراك الله سوء، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه مرجع العباد، قال: إذن لا نبالي أن نموت محقين، وعلى قول آخر: لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
وكانت مسألة مقتل الحسين عليه السلام معروفة حتى قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام نفسه، فكانت رحلة الإمام عليه السلام وأهل بيته رحلة إلى الموت، ولما عرف علي الأكبر عليه السلام ذلك لم ينكفئ ولم يتراجع بل زاد عزيمة وتصميما وصلابة.
وجواب علي الأكبر عليه السلام هذا يجعلنا نتذكر موقفا مشابها لنبي الله إسماعيل مع والده نبي الله إبراهيم عليهما السلام حيث جاء الأمر الإلهي بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، حيث قال إبراهيم لابنه إسماعيل عليه السلام (إني أرى في المنام أني أذبحك) بينما قال الإمام الحسين عليه السلام لابنه أنه رأى في المنام أنهم يذبحون جميعا، وكان جواب إسماعيل عليه السلام لأبيه عظيما جدا وهو (ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، وكان جواب علي الأكبر عليه السلام هنا هو (لا نبالي)، فأيهما أعظم شأنا؟
ولأن إسماعيل عليه السلام صبر كافأه الله عز وجل فجعل حجر إسماعيل جزءا من الطواف وصار ملحقا بالكعبة، فما جزاء من قال (لا نبالي)؟
كما أن الذبح لم يحصل لإسماعيل عليه السلام بالمقارنة مع علي الأكبر عليه السلام الذي كان يعلم بشهادته واستشهد بالفعل وقطع جسده إربا إربا.
ولما برز علي الأكبر عليه السلام إلى القتال في واقعة كربلاء قال الإمام الحسين عليه السلام: اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله صلى الله عليه وآله، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه. اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.
ولم يقل هذا الكلام في أي شخص في غير علي الأكبر عليه السلام، فكان بالفعل أشبه الناس ليس في الخلق والهيئة الظاهرية فقط بل في الأخلاق والمنطق أيضا.
ثم دعا الإمام الحسين عليه السلام على عمر بن سعد فقال: ما لك قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم رفع الإمام الحسين عليه السلام صوته وتلا قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
وشبه علي الأكبر عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله في كل الأمور لا يعني أنه مثله، لكن هذا يعني أن خلقه كخلق النبي، والنبي صلى الله عليه وآله كما يقول القرآن على خلق عظيم، والخلق العظيم هو أعلى وأسمى درجات الأخلاق ومكارم الأخلاق، وكل ذلك كان يتجسد في شخصية علي الأكبر عليه السلام.
من جانب آخر لم يدع الإمام الحسين عليه السلام على أهل الكوفة في واقعة الطف مثلما دعا عليهم عندما برز إليهم ولده علي الأكبر عليه السلام، وهذا ليس ناشئا من عطف الأبوة وحب الوالد لولده، فالحسين عليه السلام سر رسول الله صلى الله عليه وآله، ورسول الله ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فحب الحسين عليه السلام لولده هو كحب رسول الله صلى الله عليه وآله لسبطيه سيدي شباب أهل الجنة عليهما السلام.