المكانة العلمية للسيدة المعصومة ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
تُعدُّ السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام) من النساء العالمات الراويات اللواتي أسهمن في نقل الحديث الشريف وحفظه عبر سلسلة ذهبية من الطاهرات من ذرية النبي صلى الله عليه وآله. وقد أجمعت المصادر التاريخية والحديثية من الخاصة والعامة على ثبوت رواياتها، بل وأدرج بعض المحدثين أحاديثها في مراتب الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.
مكانة السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم في الرواية
تميّزت السيّدة فاطمة بمكانتها العلمية بين أرباب الحديث والسنن، حيث روت عن آبائها الطاهرين وعن عمّاتها وأخواتها، وأثبتت حضورها كسلسلة وصل مباركة في نقل الأحاديث. وقد حدّث عنها جمع من العلماء الذين اعتمدوا رواياتها في مصنفاتهم، مما يدل على وثاقتها وعظيم منزلتها.
نماذج من رواياتها
حديث الغدير
روى الحافظ شمس الدين الجزري الشافعي (ت 318 هـ) بسنده، عن سلسلة من السيدات الطاهرات من ذرية النبي، انتهت إلى السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث قالت:
“أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خمّ: من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، وقوله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.”
وهذا الحديث يبين أن السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم كانت حلقة أساسية في نقل حديث الغدير الذي يعدّ من النصوص القطعية في إثبات ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
حديث اللوح في الجنة
كما روت عن آبائها، عن فاطمة الزهراء عليها السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله، قوله في حديث المعراج:
“لمّا أُسري بي إلى السماء دخلتُ الجنة فإذا أنا بقصرٍ من درّة بيضاء مجوّفة… فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وإذا مكتوب على الستر: بخٍ بخٍ، من مثل شيعة علي.”
وهذا النص من أعظم الشواهد على فضل أمير المؤمنين وشيعته، وهو حديث متداول في كتب الفريقين.
حديث الولادة الطاهرة للإمام الحسين عليه السلام
وروى الصدوق في (الأمالي) بسنده عن السيّدة فاطمة بنت موسى (شقيقة السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم) عن عمّاتها وجدّاتها، حديثًا عظيمًا عن النبي صلى الله عليه وآله عند ولادة الحسين عليه السلام، حيث قال:
“يا عمّة هلمي إليّ ابني… إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره.”
وهذا الحديث يكشف عن الطهارة الفطرية والعناية الإلهية الخاصة بالإمام الحسين منذ ولادته.
دور المرأة العالمة في حفظ التراث
إن روايات السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم وأخواتها وعمّاتها تكشف عن حقيقة جليلة، وهي أن المرأة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن مجرد متلقية للعلم بل راوية وحافظة ومبلّغة. ومن خلالهن انتقلت الأحاديث الصحيحة، لتبقى نبراسًا يضيء للمؤمنين طريق الهدى.
خاتمة
إن الحديث عن السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليها السلام ليس مجرد ذكر لسيرة امرأة من آل البيت، بل هو تأكيد على حضور المرأة الرسالي في نقل الوحي وحفظ الشريعة. وقد جسدت هذه السيّدة الجليلة نموذجًا راقيًا للمرأة العالمة المبلّغة، فكانت بحق منارات مضيئة في سلسلة رواة الحديث، وحلقة وصل مباركة أوصلت لنا أصوات المعصومين وهديهم.