قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: في محراب كربلاء – الجزء الرابع
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

الهدف من المجالس الحسينية – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

مدخل تأمّلي: ماذا بعد المجالس الحسينية؟

يتردد آلاف المؤمنين إلى المجالس الحسينية خلال شهري محرم وصفر، يجلسون خاشعين، تصافح أرواحهم نداء “يا حسين”، وتختلط دموعهم بنبضات الولاء. لكن… هل سأل أحدنا نفسه يومًا: ماذا بعد؟

ماذا بعد تلك المجالس التي هزّت وجداننا؟ ماذا جنينا من كل هذه الليالي العاشورائية؟ وهل كتبنا في صحائفنا شيئًا يتجاوز الحضور البدني والوجداني، إلى مشروع عملي يُعيد صياغة سلوكنا وهويتنا؟

 

للإجابة على هذا السؤال الجوهري، لا بد أن نعود إلى المنبع الأول، إلى كربلاء نفسها، إلى عاشوراء، لنفهم مقصد الحسين عليه السلام من نهضته، ونعرف لماذا أراد لنا الأئمة إحياء هذه المجالس بكل هذه العظمة والاتساع.

المجالس الحسينية: وسيلة لا غاية

من الخطأ أن نحصر المجالس الحسينية في بعدها العاطفي وحده، أو أن نظن أن غاية الإمام الحسين عليه السلام كانت مجرد البكاء عليه. فالبكاء وسيلة، والمجالس أداة، والهدف الحقيقي أبعد وأعمق.

إنها مجالس بناء وتزكية وإحياء، تُغذّي الفكر، وتوقظ القلب، وتدفع الإنسان نحو إعادة توجيه حياته وفق قيم الإسلام الأصيل.

المجالس الحسينية هي مدرسة تُعيد صياغة علاقة الإنسان بالله، وبالقرآن، وبالناس، وبنفسه. فليس المطلوب أن نعود بعد الأربعين إلى ما كنا عليه قبل عاشوراء، بل المطلوب أن نعود وقد تغيّر شيءٌ فينا، أن نكون أقرب إلى الله، أشد حرصًا على صلاتنا، أكثر وفاءً للحق، وأصدق التزامًا بالمعروف.

 

الهدف الأعظم: التوحيد العملي لا الاعتقادي فقط

قد يقول قائل: إن الإمام الحسين عليه السلام استشهد من أجل الإسلام، وهذا صحيح.

وقد يُقال: ضحّى من أجل القرآن، وهذا أيضًا حق.

أو قيل: خرج لأجل الصلاة، فأقامها بدمه، فهذا جواب صائب.

لكن الجواب الأعمق هو أن الإمام خرج من أجل توحيد الله، لا بمعناه النظري فقط، بل بمعناه العملي الذي يصنع الإنسان الحر، الذي لا يركع إلا لله، ولا يبيع دينه للدنيا، ولا يساوم على الحق.

فالتوحيد الذي لا يتحوّل إلى منهج في السلوك، يظل ناقصًا، مهما صحّ منطقيًا. والمجالس الحسينية جاءت لتردّنا إلى التوحيد الشامل: اعتقادًا، ومحبّةً، واتباعًا، وثورةً على الهوى والطغيان.

 

ظاهرة الأربعين: تتويج لرحلة التزكية

إنّ أعظم ما تختم به المجالس الحسينية هو زيارة الأربعين، تلك الظاهرة الإيمانية التي تتحرك فيها الجموع المؤمنة، شوقًا وعهدًا واستجابة.

لكن هذه المسيرة ليست مجرد حدث شعائري؛ إنها تتويج لمسار تطهيري بدأ من أول مجلس عزاء، وامتد في كل يوم من أيام محرم وصفر.

 

فهل نرجع بعدها إلى عاداتنا القديمة؟

هل ننكص على أعقابنا كأن شيئًا لم يكن؟

أم نثبت على الخط الحسيني ونواصل السير في طريق الإصلاح؟

الجواب بيد كل واحد منا، والمسؤولية فردية وجماعية في آنٍ معًا.

 

مسؤوليتنا بعد المجالس: أن نصبح “شهداء على الناس”

المطلوب منّا بعد المجالس الحسينية هو أن نكون شهداءً على العصر كما كان الحسين عليه السلام.

أن نُترجم الدمعة إلى يقظة، والعبرة إلى موقف، والعزاء إلى مقاومة، وأن يكون كلٌّ منا مرآة لثورة كربلاء في بيته، وعمله، ومجتمعه.

فمن يخرج من المجلس ولم يُحدث تغييرًا في نفسه، كأنما ضيّع بركة الحسين وضياءه.

 

خاتمة: المجالس الحسينية نهج حياة لا موسم مؤقت

لقد أرادنا الإمام الحسين عليه السلام أن نُولد من جديد في كل محرم، وأن نُبعث حُسينيين بعد كل مجلس، وأن نُصِر على الله كما أصر هو على كلمته في وجه الباطل.

إن المجالس الحسينية ليست طقسًا دينيًا عابرًا، بل منهاج حياة متكامل، يُصلح الإنسان والمجتمع، ويُرسّخ التوحيد، ويُرشدنا نحو الغاية العظمى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

 

مواضيع مشابهة

کيف أعالج جفاف الدمع وقسوة القلب؟!..