قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: في محراب كربلاء – الجزء الرابع
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

تصحيح العلاقة بالسجود – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

من الخصائص التي اختص الله بها الإمام الحسين عليه السلام أن جعل الشفاء في تربته، وهي كرامة لم تُعطَ لأحدٍ من شهداء الأرض. ومن خصوصيات هذه التربة المطهّرة أن السجود عليها يخرق الحجب السبع، وأن من اتّخذ منها مسبحة كُتب له التسبيح حتى إن لم ينطق به، كما ورد في الروايات المعتبرة.

هذه الخصائص لم تأتِ جزافاً، بل جاءت نتيجة لما مثّله الإمام الحسين عليه السلام من قمة الفداء والإخلاص في سبيل الله، حتى صار رمزا للعبودية الكاملة.

السجود ليس مجرد حركة… بل مقام

في المنطق القرآني والروائي، السجود هو ذروة الخضوع والتسليم لله، وهو الموضع الأقرب الذي يكون فيه العبد من ربّه، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد”.

ومن هنا، كان السجود على تربة الحسين عليه السلام إحياءً لهذا المعنى الحقيقي للعبودية، لأن الحسين بذل مهجته وكل ما يملك في سبيل رضا الله، فإذا سجد المؤمن على تلك التربة، فكأنه يضع جبهته في موضعٍ وضع فيه الحسين نفسه وروحه.

لماذا السجود على التربة الحسينية يخرق الحجب؟

لأن الحجب التي تقف بيننا وبين الله غالبًا ما تكون حجب النفس والذنوب والغفلة والكبر. والحسين عليه السلام لم يكن في وجوده شيء من هذه الحجب، بل كان وجوده كله لله.

فإذا سجدت على تربة الحسين، فإنك تسجد على موضع طُهّر بأقدس دم وسُقي بأصدق نية، فتكون أرضية السجود أصدق من ذاتك، فتقربك إلى الله كما لم تفعل أرضٌ سواها.

السجود في الدنيا… وسجدة لا تُعطى في الآخرة

قال الله تعالى في سورة القلم: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾

هنا تأتي المفاجأة: لماذا لا يستطيعون؟!

لقد كانوا في الدنيا يُعرض عليهم السجود، لكنهم أعرضوا تكبّراً أو تساهلاً أو غفلة، فلم يتذوقوا معنى العبودية. فحرِموا من السجود يوم القيامة، وهو السجود الحقيقي عند الله.

السجود الذي كان طريقًا للنجاة أصبح حسرة لمن ضيّعه.

موقع السجود في حياة المؤمن

السجود هو ميزان التواضع وروح الصلاة، فمن لا يعرف كيف يسجد لله في الدنيا، سيسجد للهوى والناس والمصالح دون أن يشعر.

من جعل السجود صلة بينه وبين الله، جعل الله له رفعة في الدنيا ومقامًا عنده في الآخرة.

ومن سجد لله سجدةً حقيقية، كُتب من الساجدين، وما خاب عبدٌ قال في سجوده: يا الله.

الخاتمة: السجود حياة… والتربة الحسينية مفتاحه

من التربة التي ارتوت بدم الحسين، نتعلّم السجود بروح الشهادة والصدق والإخلاص.

فالسجود ليس مجرد وضع الجبهة على الأرض، بل هو انهيار الأنا بين يدي الله، وذوبان الهوى في بحر العبودية.

وما التربة الحسينية إلا دعوةٌ يومية لكل مؤمن لتصحيح علاقته بالسجود، لتكون سجدته لله لا عادة، بل منارة وولادة جديدة في كل ركعة.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 359 – أصناف السجود والتعظيم

السجود على التراب؛ سنة نبوية