من أدعية شهر رجب – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
من جملة أدعية شهر رجب الدعاء المروي عن الإمام الصادق عليه السلام والذي يبدأ بالقول (خاب الوافدون على غيرك وخسر المتعرضون إلا لك وضاع الملمون إلا بك وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك).
إن كل الأدعية وكل الطلبات إن لم تختتم بطلب المغفرة من الله في يوم الدين لا قيمة لها، ولذلك نجد أن كل الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ومن أدعية شهر رجب تتركز حول طلب الغفران والمغفرة من الله سبحانه.
ومن المهم أيضا أن نطلب الهداية من الله، ولكن هذه الهداية لا تتم ولن تتأتى إلا بجد واجتهاد من قبلنا، فمجرد الدعاء والاكتفاء به ثم العكوف على الدنيا والأمور المادية يعني أننا وصلنا إلى الهداية نظريا لكننا لم نسلك طريق المحافظة على هذه الهداية.
وفي العلم لا يمكن أن تتحقق النظرية إلا بالتطبيق، فالعلم دون عمل لا فائدة منه، ولا يمكن أن تتحقق معرفة الله وتوحيده بالجانب النظري فقط وإنما ينبغي التركيز على العمل والجانب العملي أيضا ويتحصل ذلك من خلال العبادة.
وإن من الشرك الأصغر اتباع الهوى وعبادة الهوى، فنحن دائما ما نهتم لأمورنا الخاصة وأمور دنيانا ونغفل عن خالقنا وموجدنا ومبدأ الوجود الذي ينبغي أن نشعر بحضوره ونؤثره على أنفسنا، لكن الحال ليست كذلك في الأعم الأغلب.
ونحن دائما ما نحمل هموم نفسنا، ودوما ما يبحث كل منا عن راحته ولذته وقناعته ولا عيب في أن يرفه الإنسان عن نفسه ويروح عنها فيما يرض الله عز وجل وضمن الأطر والضوابط الشرعية، لكن المصدر لهذه القناعات والأهواء هو الباطن وليس الله.
إن شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان هي فرصة للمؤمن لكي يعود إلى الله وينقي نفسه وقلبه ويخرج من عبادة الهوى والأنا ويعكف قليلا على تهذيب النفس وصفائها.
وينبغي لنا في شهر رجب وفيما يتلوه من شهر شعبان وشهر رمضان أن نعزز علاقتنا مع الله ونقويها ونشد دعائمها، ومن أهم الأعمال أدعية شهر رجب المأثورة.
وهناك نوعان من الضلال قد يقع فيهما الإنسان وهما الضلال القريب والضلال البعيد، فأما الضلال القريب فلا يزال هنالك أمل لصاحبه بالعودة إلى رشده والهداية إلى طريق الصلاح، أما الضلال البعيد فقد أوغل صاحبه في الضلال ولم يعد بإمكانه الخروج منه.
وممن يؤسس للضلال البعيد من لا يهتم بصلاته ولا يهتم للخشوع فيها فيقنع بصلاته ويقول بأنني أصلي والحمد لله ولا أحتاج شيئا آخر، أما مسألة الخشوع في الصلاة والتدبر فيها وقبولها عند الباري عز وجل قبولا حقيقيا فهو ليس من شأنه ولا يهمه.
وإن هذا الدعاء من أدعية شهر رجب يتحدث عن أهم ما في الوجود وأهم ما يجب على الإنسان الوصول إليه ألا وهو التوحيد، توحيد الله عز وجل في كل مجال، فعبارة (خاب الوافدون على غيرك) تشمل التوحيد بكل أشكاله، فاللجوء إلى الله مطلق وعلى الإنسان أن يضع الله في كل أموره وإلا لخاب كما يقول الدعاء.
وينبغي عدم الاستخفاف بالأدعية ومنها أدعية شهر رجب، فالدعاء كما في الرواية سلاح الأنبياء، وبها استمر الدين الحنيف ويستمر مقارعا قوى الشيطان والطغيان، وقد استعمل أئمة أهل البيت عليهم السلام هذه الأدعية في إسقاط ممالك وحكومات جائرة.
وينبغي على المسلم التأكيد على مسألة التوحيد وأخذها بعين الاعتبار، فالمتدينون الآن على وسائل التواصل تجدهم يهتمون بأمور أخرى ولا تكاد مسألة توحيد الله والإقبال عليه وطلب المغفرة منه تجد مكانها في هذه المنصات.
إن رحمة الله بعباده لا يمكن مقارنتها مع أين علاقة من أي نوع بين البشر أو أي مخلوق آخر، فالله سبحانه القادر على معاقبة كل عباده إن عصوه تراه حليما بهم عطوفا عليهم يرزقهم ويصبر عليهم، بل ويعدهم بغفران سيئاتهم ولو كانت مثل زبد البحر، بل ويبدل سيئاتهم حسنات كما جاء في الآية المباركة، فأي رحمة أعظم من تلك؟!
وإن هذه الأدعية المباركة من أدعية شهر رجب وغيرها هي طريقنا للوصول إلى الخالق الأوحد والقادر على كل شيء، الذي له ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. علينا أن نعرف مع من نتعامل، فنحن أمام خالق السماوات والأرض الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فكيف نطلب الرضا من غيره، وكيف نطلب الرزق من غيره، وكيف نطلب الراحة والطمأنينة من غيره؟ حري بالعبد أن يعكف على الله ويترك عباد الله فوحده هو الحل لجميع أمورنا وهمومنا.