شعبان وأعماله – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
من أعمال شهر شعبان الفضيل دعاء يدعى به عند الزوال من كل يوم من أيام شعبان ويسمى الصلاة عند الزوال، وسبب تسميته بالصلاة هو أنه يتضمن ست فقرات تبدأ كل منها بالصلاة على محمد وآل محمد.
وقد ورد في هذا الدعاء:
وهذا شهر نبيك سيد رسلك صلواتك عليه وآله، شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، بخوعا لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حمامه. اللهم فأعنا على الاستنان بسنته فيه، ونيل الشفاعة لديه.
اللهم واجعله لي شفيعا مشفعا، وطريقا إليك مهيعا واجعلني له متبعا حتى ألقاك يوم القيامة عني راضيا، وعن ذنوبي غاضيا، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان، وأنزلتني دار القرار، ومحل الأخيار.
ويتحدث الدعاء عن شهر شعبان الفضيل وهو شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان النبي صلى الله عليه وآله يكثر من القيام والصيام في هذا الشهر، وكانت عبادته صلى الله عليه وآله تزداد في هذا الشهر عما سبق للتهيؤ لموسم العبادة الأكبر شهر رمضان المبارك.
ويذكر هذا الدعاء كيف كانت عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله لكي نقتدي به ونسلك سلوكه وننتهج نهجه، فنكثر من الصيام والقيام في هذا الشهر الفضيل فنقضي أيامه بالصوم والدعاء، ولياليه بالقيام والذكر والصلوات، لا أن نكتفي بمجرد الصيام وقضاء الليالي في العبث وإضاعة الوقت، وعلينا أن ندعو الله ليوفقنا لأداء هذه الطاعات في هذا الشهر الفضيل.
وكما أن شهر رجب كان نوع إعداد لشهر رمضان فإن شهر شعبان الذي يسبق شهر رمضان المبارك يعد إعدادا للشهر الكريم، وترتفع وتيرة الإعداد هذا في شهر شعبان لأنه بوابة شهر رمضان، وإن ليلة النصف من شعبان هي إعداد لليلة القدر في شهر رمضان.
علينا الإكثار من العبادة في هذا الشهر الكريم، فكثرة العبادة مطلوبة دوما فكيف بهذا الشهر العظيم الذي هو شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، لا أن نكتفي بالواجبات ونترك المستحبات أو نأتي بنزر يسير منها، فالمستحبات كثيرة في هذا الشهر وينبغي استغلال لحظاته في العبادة والتقرب إلى الله عز وجل.
كما أن علينا أن نعرف الهدف من وراء هذه العبادة، وهذا ما ورد في هذا الدعاء المبارك، فعلينا أن نحدد الهدف من وراء عبادتنا، وهو أن غفران الذنوب وسؤال الباري ليعطينا خير الدنيا والآخرة.
وعلينا أن نتذلل في عبادتنا لله سبحانه في هذا الشهر الفضيل، وأن نسأله أن يجعلنا من العابدين التائقين لوصاله حتى لحظة الممات.
وإن من لا يهتم بإحياء شهر شعبان بالذكر والدعاء وتغيير ما بالأنفس والتقرب إلى الله عز وجل فهو لا يقتدي بنبيه الكريم صلى الله عليه وآله، وإن الغزو الثقافي قد أثر في النفوس اليوم بحيث جعلهم ينصرفون إلى دنياهم تاركين أهم ما ينبغي أن يركنوا إليه وهو العمل والعبادة الخالصة لوجه الله، فالدنيا فانية زائلة وما يدوم هو الروح وما تغذت به من أعمال وأذكار وأوراد.
وفي الدعاء نطلب من الله أن يجعل نبينا صلى الله عليه وآله شفيعا لنا يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يختصنا بشفاعته ويخصنا عند الله بمزيد من الشفاعة التي نحن بأمس الحاجة إليها في ذلك اليوم العصيب.
ويختتم الدعاء بالأهداف المتوخاة من وراء الدعاء في شهر شعبان، فبعد أن دعوناه سبحانه بأن يجعلنا من أتباع الرسول صلى الله عليه وآله وشفعائه يوم القيامة، نسأله أن يكون راضيا عنا في المرتبة الأولى، ثم في المرتبة الثانية نطلب منه أن يغض الطرف عن ذنوبنا ويتغافل عنها ويغفرها لنا.
ثم في المرتبة الثالثة نسأله أن يوجب لنا الرحمة والرضوان، وفي المرتبة الرابعة أن ينزلنا دار القرار الذي هو من أعلى المراتب، وأخيرا في المرتبة الخامسة نرجوه ونطلب منه سبحانه وتعالى بأن يجعلنا وينزلنا منزلة الأخيار وهم خاصة الخواص الذي نرجو ونتأمل أن نكون منهم.
وهذا الشهر الذي يشرفه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله شهر العبادة وموسم عبادة لا يتكرر إلا مرة واحدة كل عام، فينبغي لنا الاقتداء بسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وآله فيه بكثرة الصيام والقيام، وأن نجعله خير إعداد وخير تجهيز للشهر الذي تخرق فيه جميع الحجب وهو شهر رمضان المبارك.