الأشهر الثلاثة والتأسيس الثقافي – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
كيف نؤسس أنفسنا في الأشهر الثلاثة؟
سؤال يطرحه كل مؤمن يرجو رحمة ربه ويريد الوصول إلى الله والاتصال به في هذه الدورة التي تستمر لثلاثة أشهر ابتداء من شهر رجب مرورا بشهر شعبان وصولا إلى شهر رمضان المبارك.
وأول ما ينبغي على المؤمن أن يبتدئ به هو تثبيت عقيدته الإسلامية، عقيدته بالله وبتوحيد الله التي هي أساس كل اعتقاد وأهم مبدأ فيه، ثم الاعتقاد بنبوة الأنبياء وبنبوة خاتمهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وبإمامة الأئمة المعصومين عليهم السلام وبالإيمان بعدل الله وبيوم المعاد.
في هذه الأشهر الثلاثة ينشأ بناء مترابط قوي أساسه الإيمان بأصول الدين وتوحيد الله عز وجل، والبنية الداخلية لهذا البناء تتشكل من الأذكار التي يرددها المؤمن طيلة شهر رجب وما يليه كترديد قول لا إله إلا الله، أو تكرار تلاوة سورة قل هو الله أحد، وهي تثبيت لعقيدة التوحيد وترسيخها في القلوب.
كما نكثر قراءة سورة قل يا أيها الكافرون تحقيقا لمعنى البراءة، وغيرها من الأذكار التي تساعد المؤمن على بناء شخصيته الإيمانية وتدعيمها على مدار هذه الشهور الثلاثة.
ومن يؤسس لهذه الحياة ويلتزم بالواجبات وينتهي عن المحرمات والمكروهات ويأتي بالمستحبات فهناك وعد إلهي له بأن يحيا حياة طيبة، والله تعالى يقول (فلنحيينه حياة طيبة)، والحياة الطيبة هي تلك الحياة التي يكدر صفوها شيء مهما جار الزمان وتتالت المصائب، فإن المؤمن الحقيقي راسخ الإيمان لا تهزه أي عاصفة مهما كان حجمها ما دام ملتزما بأوامر الله منتهيا عن نواهيه مؤديا لما عليه من واجبات ومدعما أعماله بمستحبات، ذلك هو الفوز الكبير.
وتعد المستحبات التي يأتي بها المؤمن في الأشهر الثلاثة كسياج حول أعماله يمنعه من السقوط أو الهوي فيما لو ارتكب معصية ما، فهذه المستحبات كالساتر أو الحاجب له عن السقوط سقوطا مدويا بل تجعل السقوط أقل خطرا وأقل أعراضا.
وينبغي على المؤمن في هذه الأشهر الثلاثة المباركة أن لا يكف عن الذكر والتسبيح، وفي المقابل عليه أن يبقى دائما يحس بالحاجة والفقر والفاقة لله عز وجل لا أن يشعر بالمنة على الله عز وجل بقليل من المستحبات أتى بها مهما كثرت ومهما زادت، فكل ما نقدمه من عمل لا يعد شيئا أمام نعم الله وعظمته وجلالته.
وفي موسم العبادة هذا لا ينبغي الاقتصار على تأمين مادة واحدة فقط من مواد غذاء الروح، فكما أن الإنسان بحاجة إلى عديد من العناصر والمغذيات ليكتمل نمو جسمه ويستمر بالحياة، كذلك الروح بحاجة إلى تشكيلة من الأعمال والمستحبات ترقى بها وتجعلها تسمو في عالم من الملكوت والروحانية.
فإذا أتى المؤمن بما عليه وانتهى عما انتهي عنه ودعم أعماله بمستحبات فقد وصل إلى الطمأنينة والسكون الروحي وسما في عالم الروحانية ولم يعد بحاجة إلى شيء سوى فضل الله ومنه عليه بالجنة.