شهر شعبان والعلاقة بأهل البيت عليهم السلام – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشهر الفضيل شهر شعبان المعظم بأن نعينه على شهره، فشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
لا يمكن أن يتيسر لنا ذلك دون الإيمان بأهل البيت وتعميق العلاقة معهم والاستنان بسننهم عليهم السلام.
ينبغي علينا في هذه الشهر الفضيل تصحيح علاقتنا بأهل البيت عليهم السلام، ولا يتأتى لنا ذلك سوى عبر العودة إلى الله والدأب على القيام بأعمال شهر شعبان وكثرة الذكر والصلاة والعبادة والاستغفار فيه، فشهر شعبان شهر التوبة، وعلينا أن نغتنم هذا الشهر لتجديد توبتنا إلى الله.
ومن أهم الأمور التي ينبغي لنا أن نعمل عليها هي استئصال التعلق بالدنيا وحب الدنيا المتأصل في نفوسنا إلا من رحم ربي، فغالبيتنا متعلقون بهذه الدنيا الفانية ولا نكاد نخرج منها إلا ونعود إليها بسبب شدة تعلقنا بها.
وفي هذا الشهر ورد استحباب الصدقة بشكل كبير، ومن الملفت أن من الحكم وراء الصدقة وغيرها من أشكال الإنفاق المالي هو تقليل الارتباط بالدنيا وتقليل التعلق بها وصولا إلى استئصال التعلق بالدنيا بشكل كامل، والسبب وراء ذلك هو أن الإنفاق من المال هو إنفاق مما نحب، فالإنسان بطبيعته يحب المال الذي شقي وتعب لتحصيله، فعندما يقوم بإنفاقه فهو ينفق شيئا تعب في الحصول عليه وكأنه جزء منه، ولكنه ينفقه لأنه من حطام الدنيا ولا ينفع المؤمن الذي يريد التوجه إلى الله.
ومن أهم الأعمال والأدعية التي ورد استحبابها والتأكيد عليها في شهر شعبان ما يدعى بصلاة الزوال، وهو دعاء يتضمن ستة مقاطع في بداية كل مقطع يصلي الداعي على محمد وآل محمد ويقرأ وقت الزوال أي عند أذان الظهر وهو أفضل أوقاته، ويمكن قراءته في وقت آخر.
ولو اكتفى المؤمن بهذا الدعاء في شهر شعبان لكفاه بقية الأعمال لما له من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
وأما المدخل الحصري لإعانة رسول الله على هذا الشهر شهر شعبان المكرم فهو اتخاذ قرار بتحسن الخلق، فدين وتدين مع سوء خلق لا يتناغمان ولا ينسجمان مطلقا.
ومع الأسف فإننا نشاهد أنه في الغالب فإن التدين يأتي في مجتمعاتنا مصاحبا لسوء الخلق، فتجد أكثر المتدينين أو من يسمون أنفسهم ويسميهم المجتمع بالمتدينين سيئو الخلق حادو الطباع، وهذا هو السائد بيننا في الغالب، وهو في الحقيقة من أسوء الأمور، فهو إضافة إلى أنه لا ينسجم مع التدين ويخالف شرائع الدين بشكل كامل فهو يقدم صورة سوداوية سيئة عن المتدينين أصحاب اللحى والمسابح، وبات شائعا أن يقال إن كل ذي لحية سيئ خلق، وهذه من المفارقات العجيبة اليوم.
ينبغي للمؤمن أن يحسن خلقه أولا ثم يعكف على العبادة والتسبيح والذكر، فالأخلاق أهم من تلك الأمور، فإن كانت العبادة والأذكار مستحبة فتحسين الخلق أمر واجب ولا مساومة فيه.
ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى حسن الخلق إلا بالجهاد الأكبر وهو مجاهدة النفس الأمارة بالسوء وتطويعها وتركيعها وإخضاعها، وإلا فإن من يدعي التدين وهو عبد لهواه وغضبه وشهواته فهو ليس من الدين والتدين في شيء.
وإن حسن الخلق علامة قرب الإنسان من النبي صلى الله عليه وآله، كيف لا والنبي سيد الأخلاق وتجلت فيه مكارم الأخلاق ومحاسنها، وفيه قال القرآن العظيم (وإنك لعلى خلق عظيم).
ليست العبرة في شخص يداوم على الحضور في المساجد للصلاة والدعاء والعبادة، فالغالبية منا يقوم بذلك بحكم العادة وما دام لا يخالف شيئا من مصالحه الشخصية الدنيوية، أما لو عارض شيئا من ذلك لوجدته ترك المسجد والعبادة بشكل مفاجئ.
اعرف المتدين عندما تعرض له قضية تتعارض مع مصلحته كنزاع مع شخص آخر على مال أو جاه أو سلطة وما شابه، فلو خضع لحكم الله في ذلك وحكم عقله ودينه فاعلم أنه متدين، وإن حكم غضبه وعصبيته وحبه للمال والدنيا في ذلك فاعلم أنه أبعد ما يكون عن الدين والتدين والأخلاق، وبالتالي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.