قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: مصابيح الدجى
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

في رحاب الإمام العسكري ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

قضى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فترة غير وجيزة في سجون العباسيين الذين حاولوا بكل وسيلة إضعاف مكانته ومحو أثره بين الناس.

لكن الأحداث التي وقعت أثناء سجنه كشفت عن القوة الروحية العظيمة التي كان يتمتع بها الإمام، وعن عجز خصومه أمام سموّ روحه ونور ولايته.

 

محاولة العباسيين التضييق على الإمام العسكري عليه السلام:

بعد أن خشي العباسيون من التفاف الناس حول الإمام العسكري عليه السلام، سعوا إلى عزله وإضعاف تأثيره، فقرروا حبسه وتشديد الرقابة عليه.

وقد أُوكل أمر حبسه إلى رجل يُدعى صالح بن وصيف، الذي عُرف بصرامته وشدته، فأراد العباسيون منه أن يضيّق على الإمام ويعامله بأقسى ما يمكن.

 

عجز صالح بن وصيف أمام نور الإمام:

يُروى أنه عندما زاره بعض العباسيين وقالوا له: “ضيّق عليه ولا توسّع له في شيء”،

أجابهم صالح بن وصيف معتذرًا: “ما أصنع به؟! قد وكلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمرٍ عظيم!”

وكان يقصد بذلك الحارسين علي بن بارمش واقتامش، اللذين كانا من أشدّ رجاله وأسوئهم خلقًا، لكن ما إن خالطا الإمام العسكري عليه السلام حتى تبدّل حالهما كليًّا، وأصبحا من أهل العبادة والخشوع، ملازمين للصلاة والتقوى.

وهكذا انقلب سجن الإمام إلى منارة للهداية، بدل أن يكون موضعًا للعقوبة، فكانت روحه القدسية تفيض بالنور حتى على قلوب الظالمين.

تحوّل الحراس والمرأة الفاجرة:

ولم يقف تأثير الإمام عند الحارسين فقط؛ إذ رُوي أن العباسيين، لما رأوا ذلك، وضعوا في سجنه امرأة من أهل الفجور بغرض تشويه سمعته أو امتحانه، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى امرأة عابدة زاهدة، تقضي ليلها في الصلاة وذكر الله، بعد أن تأثرت بأنفاس الإمام الطاهرة وضيائه الروحي.

لقد كان وجود الإمام العسكري عليه السلام في السجن مدرسة إيمانية قائمة بذاتها، تُغيّر القلوب وتطهّر النفوس، حتى من داخل أسوار الظلم.

 

شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

بعد تلك الأحداث التي أظهرت عظمة الإمام وجلال روحه، أدرك العباسيون أن وجوده خطر على سلطانهم، فقرروا اغتياله بالسمّ في سنة 260 هـ، بأمرٍ من الخليفة العباسي المعتمد.

تجرّع الإمام السمّ بصبرٍ واحتساب، وارتقى شهيدًا مظلومًا في الثامن من ربيع الأول، تاركًا الأمة تغرق في الحزن على إمامها الطاهر.

وقد كانت شهادته امتدادًا لحياته المضيئة التي واجه بها الظلم بالنور والهدى، فحتى في سجنه كان المنتصر الحقيقي، إذ أخضع القلوب لقوة الإيمان بدل السيوف والقيود.

 

دروس وعِبر من سجن الإمام العسكري عليه السلام:

القوة الروحية تغلب القوة المادية – فالإمام بسيرته وهيبته غيّر أشدّ الناس قسوة إلى عباد زهاد.

نور الولاية لا يُطفأ – مهما حاول الظالمون حبسه، امتدّ إشعاعه إلى داخل القلوب.

الثبات في وجه الابتلاء – فقد كان الإمام العسكري نموذجًا للصبر والتسليم في سبيل الله.

 

خلاصة المقال:

إن قصة سجن الإمام الحسن العسكري عليه السلام تكشف عن عظمة الولاية الإلهية التي لا يحدّها مكان ولا يمنعها سجن، وعن فشل الطغاة في مواجهة نور الله.

لقد حاول العباسيون أن يطفئوا شعلة الإمامة، لكن الإمام العسكري أضاء قلوب سجّانه وأثبت أن القهر الحقيقي هو قهر الروح المؤمنة للظالم لا العكس.