حياة الإمام المجتبى ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
في مثل هذا اليوم، السابع من شهر صفر، تحل على قلوب المحبين ذكرى أليمة وموجعة، إنها ذكرى شهادة الإمام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام، ثاني أئمة أهل البيت عليهم السلام، وسيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي عاش مظلومًا ومضى شهيدًا، بعد مسيرة ملؤها الحكمة والصبر والإيمان.
مصيبة في الشام.. ولوعة في قلب زينب عليها السلام
جاءت ذكرى استشهاد الإمام المجتبى عليه السلام والسيدة زينب عليها السلام أسيرة في الشام، والإمام زين العابدين عليه السلام مريض مثخن بالجراح، وذكريات الفقد تحاصرها من كل صوب: أخوها الحسين مذبوح على الثرى، وابن أخيها علي السجاد في قيد المرض والأسر، وأخيها الحسن مسمومٌ في طيّ الذكرى، وقد قضى أربعين يومًا يعاني ألم السمّ في أحشائه. فأيُّ قلبٍ صبور ذلك الذي حملته العقيلة زينب في هذا البلاء؟
نور الصلاة على الإمام المجتبى عليه السلام
من أبهى صور العرفان والوصال الروحي ما ورد في كتاب مصباح المجتهد عن الإمام العسكري عليه السلام، حيث نقل إحدى الصلوات العظيمة المعروفة بـ”الصلوات الكبيرة”، وفيها ورد بحق الإمام المجتبى:
“اللهم! صلّ على الحسن بن سيد النبيين ووصي أمير المؤمنين… أشهد أنك الإمام الزكي الهادي المهدي، عشت مظلومًا ومضيت شهيدًا… اللهم بلغ روحه وجسده عني أفضل التحية والسلام.”
إن هذه الكلمات المختصرة تعكس مقامًا عظيمًا وتاريخًا مملوءًا بالتضحية والمظلومية، عاشه الإمام عليه السلام في وجه النفاق السياسي والمؤامرات الداخلية التي انتهت بتسميمه.
ريحانة النبي.. ومحبوب السماء
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لم يكن فقط حفيد النبي، بل كان وريث نبوته وامتداد رسالته. وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بحبه الإلهي، قائلاً:
“إنّ ربي أمرني أن أحبّهما (الحسن والحسين) وأحبّ من يحبّهما.”
وفي موقف معبّر، كان النبي يخطب على المنبر، فدخل الحسن والحسين وهما طفلان صغيران، يمشيان ويعثران بثيابهما الحمراء، فقطع رسول الله خطبته، ونزل من منبره، وحملهما، ووضعهما بين يديه، وقال:
“صدق الله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر.”
إن هذا الحب النبوي، الممتد من السماء، جعل ذكر الحسن المجتبى خالدًا رغم كيد الطغاة، فقد حاولت السلطتان الأموية والعباسية طمس نور أهل البيت، لكن هيهات، فقد اندثر الظالمون وبقيت الشموع الطاهرة من آل محمد تتلألأ في وجدان الأمة.
وفي الختام:
إن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مدرسة في الصبر والبصيرة والقيادة الأخلاقية. فسلامٌ عليه يوم وُلد طاهرًا، ويوم استُشهد مظلومًا، ويوم يُبعث حيًّا. فلنحيَ ذكراه لا بالبكاء فقط، بل بالاقتداء به في الرحمة والحكمة والغيرة على دين الله.
فلنُكثر في هذا اليوم الشريف من الصلاة عليه، والحديث عن مظلوميته، وتعريف الأجيال الجديدة بأنه إمام الصلح لا الضعف، وإمام العزة لا المهادنة، وإمام الرحمة الذي امتدت أنفاسه إلى كربلاء، فمهّد لثورة أخيه الحسين عليه السلام.