فضل ليلة النصف من شعبان – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن ليلة النصف من الشعبان ليلة عظيمة القدر جليلة القدر لا يفوقها عظمة وشأنا سوى ليلة القدر كما جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام حيث قال عندما سئل عن فضل ليلة النصف من شعبان: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنه فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنها ليلة آل الله عز وجل على نفسه أن لا يرد سائلا ما لم يسأل الله معصية كأن يطلب منه أن ينتقم من فلان لمجرد انزعاجه منه، وفلان شخص مسلم مسالم لا يستحق الانتقام.
والسر في عظمة هذه الليلة المباركة هو أنها ليلة مولد بقية الله في الأرضين، وهو يسلط الضوء على عظمة الإمام المهدي عجل الله فرجه.
وإنها الليلة التي جعلها لأهل البيت عليهم السلام كما جعل ليلة القدر للنبي صلى الله عليه وآله كما تكمل الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام، فليلة النصف من شعبان هي من خصائص أهل البيت عليهم السلام، وينبغي الاجتهاد فيها بالدعاء والثناء.
ومن أهم الأعمال في هذه الليلة صلاة مائة ركعة، وتصلى كل ركعتين منها على حدة كصلاة الصبح.
وينبغي التأكيد هنا على عدم الانشغال بغير الذكر والعبادة حتى أثناء الاستراحة بين الصلوات، لأن ذلك من خدع الشيطان ومكره، وإن الشيطان يصل به المكر وتصل به الحيلة بحيث يخلق للإنسان الذرائع والمشاريع لكي تشغله عن إحياء هذه الليلة بالعبادة وينشغل بدلا من ذلك بالدنيا وما فيها، هذا إن لم ينشغل بمعصية الله في هذه الليلة التي يفترض بها أن تكون ليلة عفو وصفح وصك غفران.
وورد في الرواية الشريفة أن من أحيى هذه الليلة لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب، وموت القلوب يحدث عندما يتعرض الإنسان لهول عظيم، وهل هناك أعظم خطبا من أهوال يوم القيامة؟! كما قد يأتي موت القلب بمعنى الكفر، لأن الكفر يجعل المرء قبرا متجولا، وكم من شيخ يطيل لحيته ويمسك بمسبحته وهو كافر يشرك بالله كما قال تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
وجاء في الرواية أنه ما من بيت من حجر ولا شعر ولا وبر إلا وتتفحصه الملائكة وملك الموت كل يوم خمس مرات، وذلك لأن ملك الموت مأمور أن يسهل الموت وسكرات الموت على من يصلي أول الوقت، فعند النزع إذا كان الإنسان يصلي الفريضة في أول وقتها فإن الله يخفف عليه قبض روحه وسكرة الموت.
وإن النار تخاف من المؤمن كما تقول الرواية، وإن الله يربط على قلب المؤمن ويثبته يوم تموت القلوب، وجميعنا نمر على الصراط الذي هو عبارة عن جسر يقع فوق نار جهنم، فعندما يمر المؤمن تقول النار جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي.
وإن الإمام الحجة المنتظر أرواحنا فداه الذي ولد في ليلة النصف من شعبان هو الكوكب الدري في قلب الحقيقة المحمدية، فقد جاء في الروايات التي أكد عليها علماؤنا الأجلاء بأن نور النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام هو أول ما خلق الله وقبل خلق آدم عليه السلام.
وعندما خلق الله آدم رأى أشباحا تشع نورا فسأل الله ما هذه الأنوار؟ فقال له الله إنها أنوار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وذكرت بعض الروايات الأخرى أسماء التسعة المعصومين من ولد الحسين عليهم السلام، وأن الإمام المهدي عجل الله فرجه كان بينهم كالكوكب الدري، وأن الله عز وجل -وهو بكل شيء عليم- بنى المشروع الإنساني الإلهي على أساس أن القائم هو الذي سيقوم في آخر الزمان ويظهر ويثور ويحقق آمال جميع الأنبياء والأوصياء الذين بعثوا من قبله ويحقق آمال رسول الله صلى الله عليه وآله بالخصوص.
ويقول بعض علمائنا أن ليلة النصف من شعبان هو أعظم الأعياد على الإطلاق، لأن الله عز وجل يحقق أهداف رسول الله صلى الله عليه وآله وأهداف القرآن وأهداف التوحيد على يد آخر أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله.
فليلة النصف من شعبان هي ليلة العيد الأعظم، ويوم النصف من شعبان هو أعظم الأيام على الإطلاق، وليلة النصف من شعبان هي بوابة ليلة القدر ومدخلها، والعمل في هذه الليلة المباركة هو الذي يحدد النتيجة في ليلة القدر.
ونحن إذا كنا نريد أن نكون من المنتظرين الحقيقيين لصاحب العصر والزمان فإن علينا أن نثبت على إيماننا وديننا ونرسخ عقائدنا ونقوي صلتنا وعلاقتنا بالله عز وجل عبر الذكر والعبادة والانتهاء عن المعاصي ما أمكننا لنكون من المنتظرين البارين والمنتظرين الذين يحبهم الله ورسوله ووصيه القائم من آل محمد.