علامات المنتظرين – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
هناك عدة علامات من علامات المنتظرين الحقيقيين للإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهناك صفات بارزة في كل إنسان تكشف ما إذا كان فعلا من المنتظرين الحقيقيين أم ليس منهم.
وأولى علامات المنتظرين هذه هي التواضع، أي أن لا يكون الإنسان مستكبرا متغطرسا عاليا في الأرض كما كان فرعون، فقد تجد أحدهم ظاهره التدين ويطيل لحيته ويقضي أيامه وليالي في التسبيح والذكر والعبادة لكنه جبار متكبر، وهذه من صفات الله التي لا ينبغي للعبد أن يتصف بها، فهي من صفات الله التي ينفرد بها جل جلاله ولا يجوز لأحد من عباده أن يتصف بها.
التكبر ليس من شيم المتدينين، وليس من علامات المنتظرين بالتبع، فالمنتظر الحقيقي هو من يتصف بالتواضع ويبتعد عن الكبر والتكبر، والتكبر هو أول ما عصي به الله حيث أبى إبليس واستكبر وعتى عتوا ولم يسجد لآدم عليه السلام، فانظر إلى قبح هذه الخصلة.
والمتدين المتكبر هو في الحقيقة تدين باتجاه إبليس، فالمتدين عندما يكثر من الأعمال والأذكار ويأتي بتسبيحات الزهراء وزيارة عاشوراء والنوافل وما إلى ذلك فإن الشيطان يأتيه من حيث لا يدري فينفخ في رأسه ويعظم له أعماله ويضخمها ويقول له بأنك أنت بهذه الأعمال أعلى وأسمى من بقية الناس فتعالى عليهم وتكبر ولا تقس نفسك بهم فأنت لا تقاس بالآخرين، وهذا كله من لمز الشيطان وهمزه ونفثه.
وهذا النمط من الناس لو أتيته بالنصح والمشورة لأخذته العزة بالإثم وقال لك: أمثلي يقال له هذا؟ وهذا الصنف من البشر خطير ومستفحل وتصعب هدايته للغاية لأن إبليس متغلغل بداخله وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
وقد يقول لك بأنه من المنتظرين لفرج المولى صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لكنه ليس من المنتظرين ولا يمت بصلة إليهم، فهو لا تتوفر فيه إحدى أهم علامات المنتظرين ألا وهي التواضع.
التدين لا ينسجم بحال من الأحوال مع التكبر، فالزوج الذي ينهر زوجته ويتكبر عليها ويفرض قوته وجبروته عليها ويستضعفها، والزوجة سليطة اللسان المتجبرة التي تتكبر على زوجها وتتعالى عليه لضعف أو وهن فيه -ولو أنه أقل شيوعا- كلاهما لا يعتبران من المنتظرين ولا تتوفر فيهما علامات المنتظرين الحقيقيين، فالتدين لا يجتمع مع المتفرعن الجبار المتكبر، التدين تواضع للمخلوق وعبودية وتذلل لخالق السماوات والأرض العزيز الجبار.
على الإنسان في مثل هذه الليلة ليلة النصف من شعبان أن يمهد بشكل صادق وحقيقي لليلة القدر، وهذه الليلة هي أشرف الليالي وأعظمها بعد ليلة القدر، وهي تمهيد وتوطئة لإحياء ليالي القدر المباركة.
لو نظر من يسمي نفسه متدينا وهو متكبر إلى نفسه وهو يقرأ الأدعية التي يرد فيها ذكر العبد الحقير المسكين المستجير، وكم تزخر الأدعية بعبارات التذلل والخضوع والعبودية لله عز وجل، فلو نظر إلى نفسه وهو يقرأ هذه العبارات، ألا يرى نفسه متناقضا مع ذاته؟ كيف ينسجم هذا الكلام مع ذاته المتجبرة المتغطرسة المتعالية على الآخرين التي تحسب أنها تحسن صنعا وتمنن الله بأعمالها وبما تقدمه؟
في الحقيقة إن كل ما يقدمه الإنسان لا يساوي مثقال ذرة عند الله، فكل عمل منا يستوجب شكرا، وكل شكر لله يستوجب شكرا آخر، وهكذا دواليك تدور في حلقة لا تنتهي، فكيف تمن بأعمالك على من خلقك وبرأك وصورك وجعلك وتفضل عليك ولا فضل لك عليه في شيء؟!
لو جاء أحد إلى مثل هذا الشخص وقال له خف ربك وأنذره عذاب يوم عظيم، فهل سيرتدع ويتراجع أم سيقول له: من أنت لتخبرني ما أفعل وما لا أفعل؟! ألن يثور في وجهه ويعتبر نفسه أعلى منه مقاما بسبب بضعة أذكار وأعمال قام بها وظن أنه متفضل متكرم؟!
ولو أن الإنسان عاش طوال عمره ذاكرا عابدا لله لبقي في نفسه شيء من الاحتمال بأن يعذب في نار جهنم -أعاذناها الله-، ولذلك على الإنسان أن يتضرع دوما إلى الله وأن لا يزداد كل يوم إلا عبودية ورقا وذلا لمولاه جل وعلا.
ومن علامات المنتظرين أيضا أن لا يطلب المرء التشرف بلقاء الإمام عجل الله فرجه، وتعجب لبعض أناس يظنون أنهم بلغوا ما بلغوه من التدين والتقوى والعمل الصالح، ثم يقولون في قرارة أنفسهم: عجبا لم لا نلتقي بالإمام عجل الله فرجه؟ وكأنهم يعتبرون أنفسهم قد وصلوا القمة ولم يبق لديهم إلا التشرف بصاحب الأمر عجل الله فرجه! وكل ذلك نتيجة التكبر.