معطيات كربلاء الحسين ع – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
منذ القرون الأولى للإسلام وحتى يومنا هذا، ظلّت كربلاء شعلة متقدة في ضمير الأمة، ومصدر إلهامٍ لكل من ينشد العزة، والكرامة، والجهاد في سبيل الله.
لقد اعتاد المؤمنون عبر التاريخ إحياء المجالس الحسينية، بالبكاء واللطم على سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ولكن ما نعيشه في هذا العصر من تعاظم حركات المقاومة، جعل الارتباط بثورة الحسين (ع) يرتقي من العاطفة إلى الوعي، ومن الحزن إلى العمل الجهادي المستنير بالقيم الحسينية.
التحالف المناهض للخط الإلهي
في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ثم في عهد أمير المؤمنين وولديه (عليهم السلام)، كان العدو الذي واجه الخط النبوي الأصيل تحالفًا أمويًا – يهوديًا، سعى بكل ما أوتي من سلطة ونفوذ إلى إطفاء نور الله، وهو ذاته التحالف الذي لا يزال يعمل اليوم ضد المقاومة وضد التوحيد الحقيقي.
لم يكن الخطر في كربلاء محصورًا في جيش يزيد فحسب، بل في منظومة انحرافية كاملة أرادت تشويه الإسلام، وتحويله من منهج قيمي رباني إلى أداة سلطة بيد الجبابرة.
روح كربلاء: حب الشهادة لا حب القتال
الذين خرجوا مع الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء لم يكونوا طالبي حرب أو غلبة دنيوية، بل كانوا عشاق شهادة.
لم يكن في نفوسهم غلٌّ ولا رغبة في سفك الدماء، بل شوق إلى لقاء الله تحت راية الحسين.
وكان كل واحد منهم إذا أراد الخروج إلى المعركة، يبدأ بنداء: السلام عليك يا ابن رسول الله
وكأن كل شهيد في كربلاء كان يقول: إننا لا نقاتل بالسيوف، بل نرتقي بالعشق الحسيني نحو لقاء الله.
العلاقة التوحيدية مع الإمام الحسين (ع)
الإمام الحسين عليه السلام ليس فقط حفيد رسول الله، بل هو وصيّه ومظهر رسالته في بعد التضحية والفداء.
إن علاقتنا بالحسين (عليه السلام) ليست عاطفية محضة، بل علاقة توحيدية، فـ من أراد أن يأتي الله حقاً، فعليه أن يأتيه من باب الحسين.
وقد ورد عن المعصومين: (بنا عُرف الله، وبنا وُحد الله)
فالحسين هو باب الله الأعظم، وعنوان الطريق إلى الله تعالى، وباب الخلاص في الدنيا والآخرة.
كربلاء منجم القيم الجهادية
كربلاء ليست فقط حادثة تاريخية، بل هي خزّان حيّ للقيم والمبادئ، فكل المجاهدين الأحرار الذين نراهم اليوم على الثغور، تخرّجوا من مدرسة الحسين، وشربوا من مهد عاشوراء، واستلهموا في جهادهم العزة ورفض الظلم والدفاع عن الإمامة والحق.
علامتان لوجود روح كربلاء في قلب المؤمن:
إقامة الصلاة: فالصلاة كانت أول ما اهتم به الحسين في يوم عاشوراء رغم نيران المعركة.
الحنين إلى ميادين الجهاد: فالمؤمن الحق لا يرضى بالذل، بل يشتاق للدفاع عن دينه وعن المستضعفين.
وفي الختام:
كربلاء لم تكن فقط لحظة في التاريخ، بل هي برنامج عمل دائم، وحركة تصحيح مستمرة، وروح لا تموت.
فمن أراد أن يكون مع الحسين (ع) فليحيَ بقيمه، ويستعد للشهادة متى دعت الحاجة، فالحسين عليه السلام لا يريد دموعًا فقط، بل يريد أحرارًا يحملون قضيته وينتصرون لها في كل زمان.