مواقف من كربلاء – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
واقعة كربلاء ليست مجرد حدث تاريخي يُروى في كل عام، بل هي مدرسة إيمانية خالدة، تفيض بالعبر والمواقف التي تُلهم المؤمنين في كل زمان ومكان.
في هذه الواقعة، تجسدت أعظم صور الفداء والولاء والصدق مع الله ومع الإمام المعصوم.
كان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) نخبة طاهرة اصطفاهم الله من بين آلاف المسلمين، ليرزقهم شرف الفتح المبين والفوز العظيم بالشهادة بين يدي الحسين (ع).
جنادة الأنصاري وابنه عمرو: أسرة بأكملها للجهاد
من المواقف المؤثرة في كربلاء قصة جُنادة الأنصاري، أحد الموالين المخلصين لأهل البيت (عليهم السلام)، الذي خرج من مكة مع الإمام الحسين (ع) برفقة زوجته وولده عمرو.
استُشهد جُنادة في الحملة الأولى، فحزنت زوجته “أم عمرو”، لكنها ما لبثت أن أمسكت بيد ابنها الصغير، وألبسته لامة الحرب، وقالت له بشجاعة المؤمنات:
“يا بُنَي، اخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله.”
ذهب الغلام عمرو إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يستأذنه في القتال، فقال له الإمام:
“هذا غلام قُتل أبوه، ولعل أمه تكره خروجه.”
فأجابه الغلام بثقة: “إن أمي هي التي أمرتني بذلك.”
فبرز وهو ينشد أبياته الخالدة:
أميري حسين ونعم الأمير
سُرورُ فُؤادِ البشيرِ النذير
عليٌّ وفاطمةٌ والداه
فهل تعلمون له من نظير؟
وقاتل قتال الأبطال حتى استُشهد، ليكتب اسمه إلى جوار أبطال كربلاء الذين خلّدهم التاريخ.
وهب الكلبي وأمّه وزوجته: الحوار بين الحُب والشهادة
وهب بن حباب الكلبي، رجلٌ شاب نصر الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وكان برفقة أمه وزوجته.
قاتل ببسالة، ثم عاد إلى خيمته قائلاً لأمه: “يا أُماه، أرضيتِ عني؟”
فأجابته: “لا، ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام!”
وهنا تدخلت زوجته وهي تبكي: “بالله عليك لا تفجعني في نفسك!”
لكن الأم المؤمنة قالت له: “يا بني، اعرض عنها وارجع فقاتل، تنل شفاعة جدّه يوم القيامة.”
فردّت الزوجة بشجاعة قلبها المعلّق بزوجها: “أقبل بذلك، بشرط أن تضمن لي أنك ستكون معي في درجتك يوم القيامة… ولا أقبل ضامناً إلا الحسين عليه السلام.”
يا لعظمة هذا المشهد! امرأة لا تعارض الشهادة، بل تطلب شراكة أبدية في الجنة تحت كفالة الحسين عليه السلام!
فرجع، ولم يزل يقاتل حتّىٰ قُطعت يداه، فأخذت امرأته عموداً، فأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأُمّي قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله صلىالله عليه وآله ، فأقبل ليردّها إلىٰ النساء، فأخذت بثوبه، وقالت: لن أعود دون أن أموت معك.
فقال الحسين عليهالسلام : «جُزيتم من أهل بيتٍ خيراً، ارجعي إلىٰ النساء يرحمك الله »، فانصرفت إليهنّ.
و لم يزل وهب النصراني يقاتل حتّىٰ قُتل، رضوان الله عليه.
الدروس المستفادة
الولاء الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، بل بالفعل والتضحية.
النساء في كربلاء كنّ شريكات في صناعة النصر، وكم من أم وزوجة دفعت بأعزّ الناس نحو الشهادة.
الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن فقط قائداً ثائراً، بل كان الضامن للدرجات العالية في الآخرة.
الخاتمة
كربلاء ليست قصة تُروى، بل رسالة تُعاش، من أراد أن يكون من أصحاب الإمام الحسين في هذا الزمان، فليكن على نهج أولئك الذين جعلوا كل شيء قربانًا للحق: آباءً، أبناءً، أرواحًا، وقلوبًا.