ترك ردة الفعل الحيوانية – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
في طريق السير والسلوك إلى الله، يواجه الإنسان صراعًا داخليًا بين دوافعه الغريزية ونور عقله وإرادة روحه. هذا الصراع هو ما يحدد درجة الإنسانية الحقيقية، ويكشف إن كان الإنسان يسير في مدارج الكمال أم لا.
ما معنى ردة الفعل الحيوانية؟
ردة الفعل الحيوانية هي الاستجابة الغريزية الفورية للغضب أو الشهوة أو الطمع، دون مرور السلوك عبر ميزان العقل أو ميزان الحلال والحرام. هذا النوع من السلوك لا يليق بإنسانٍ خُلق ليكون خليفة الله في الأرض، بل يشبه سلوك المخلوقات التي لا عقل لها، والتي لا تعرف سوى الإشباع اللحظي لحاجاتها.
كيف يتهذب الإنسان ويكبح جماح غرائزه؟
الإنسان يرتقي حين يُخضع رغبته لعقله، ويضبط سلوكه وفق ما يرضي الله تعالى، في العلن والخفاء. قال الإمام الصادق عليه السلام: “ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل”.
الارتقاء هنا لا يعني فقط الصلاة والصوم، بل هو أن يكون رد فعلك وقت الغضب، ووقت الخلوة، ووقت الفتنة، ردًا إنسانيًا لا حيوانيًا.
رواية نهر بلخ: كشف الورع الزائف
يروي هارون بن رئاب أنه دخل على الإمام الصادق عليه السلام، فسأله عن أخيه الجارودي، فأثنى عليه بأنه صالح عند الناس لكنه لا يقر بولاية أهل البيت عليهم السلام، بزعم الورع. فردّ عليه الإمام: “فأين كان ورعه ليلة نهر بلخ؟”
وبالفعل، حين نُقل الكلام إلى الجارودي، انهار معترفًا بأن الإمام كشف سرًا لم يبح به لأحد، وأعلن شهادته بإمامته.
فالورع الحقيقي ليس في ما يراه الناس، بل في ما لا يراه إلا الله. والتقوى ليست مجرد انطباع اجتماعي، بل موقف داخلي صارم أمام الحرام، خاصة في الخلوات.
الفرق بين الإنسان والحيوان: العقل واليقين
الفرق الأساسي بين الإنسان والحيوان هو امتلاك الإنسان للعقل والضمير. فالحيوان يندفع نحو الشهوة بلا وعي، أما الإنسان فمكلّف أن يستعمل عقله ويستحضر الله في كل تصرف.
فالإنسان الذي يُستفز بسرعة، أو يسقط في الفتنة لحظة عرض الحرام، يعيش بردود أفعال غريزية لا تليق بمن كرّمه الله بالعقل.
كيف نرتقي إلى إنسانية واعية؟
لكي يتجاوز الإنسان مرحلة “رد الفعل الحيواني”، عليه بـ: الخشية في السر قبل العلن، ومحاسبة النفس قبل كل قرار، ومن ثم تقوية البصيرة بالعلم والعمل الصالح، وأخيراً طلب اليقين من الله بالدعاء والمجاهدة
وهنا تتبين أهمية اليقين الذي أكده دعاء زيارة آل ياسين: “وأن تملأ قلبي نور اليقين”
وهذا النور لا يسكن القلب ما لم يُطهّر من أهواء النفس، ويصفو بالتسليم المطلق لله.
وفي الختام:
الحياة امتحان دائم. والموقف الحقيقي للإنسان يظهر عند الخلوة، وعند الفتنة، وعند العَرَض المفاجئ للشهوة أو المال أو الجاه. من هنا، يكون ترك ردة الفعل الحيوانية علامة على نضوج النفس، وحضور العقل، وصدق العلاقة مع الله.
فلنراجع أنفسنا: كيف نتصرف عندما لا يرانا أحد؟ هل نُظهر الورع أمام الناس ونخونه في السر؟ أم نعيش الرقابة الإلهية في كل حال؟