مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
إن مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام من المصائب الجلل التي يستذكرها المؤمنون الموالون كل يوم بعد انقضاء عاشوراء من شهر محرم الحرام هو امتحان لقلب كل مؤمن يدعي الاعتقاد بنبوة النبي صلى الله عليه وآله وإمامة أهل بيته عليهم السلام.
وينبغي التأكيد على مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام التزاما بما ورد عن إمامنا السجاد زين العابدين عليه السلام الذي قال بأن أشد المصائب إيلاما لقلب أهل البيت عليهم السلام هي مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام.
وقد جاء يوما أبو حمزة الثمالي إلى الإمام السجاد عليه السلام متسائلا عن كل ذلك الجزع على مصيبة الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام قائلا له: أليس القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة؟ فأجابه الإمام بأنه نعم، ذلك صحيح، لكن هل من عادتنا سبي السيدة زينب عليها السلام؟
وتكمن عظمة مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام في شخصية السيدة زينب نفسها، فلو أن جميع نساء العالم سبين لا يعادل ذلك ذرة من سبي السيدة زينب عليها السلام، والسبب هو عظمة هذه السيدة ومكانتها ومقامها عند الله عز وجل، كما أن سبب السبي أيضا يعد من عظائم المصائب التي تعز على قلب كل مؤمن موال.
إن سبي السيدة زينب عليها السلام جرى بسبب أحقاد بدرية وخيبرية وحنينية، إنه نابع من حقد القوم على أبيها أسد الله وأسد رسوله فاتح خيبر وقتال المشركين أعداء الله، فمن باب رد الدين والانتقام قاموا بما قاموا به من فجائع يندى لها الجبين وتدمع لهولها عيون المؤمنين.
وقد كان للحوراء زينب عليها السلام دورا أساسيا في الدفاع عن إمام زمانها الإمام السجاد عليه السلام، بل كان كل ما يصدر من الإمام عليه السلام ينسب لها حفاظا على الإمام من أن يناله سوء كما جاء في الرواية، فيا لها تضحية قدمتها الصديقة الصغرى سلام الله عليها، وفي ذلك شابهت أمها الصديقة الكبرى التي دافعت عن بعلها أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان مأمورا بالصبر لحفظ الإسلام من الزوال والاندثار، فقد كان القوم ينوون إما الحكم باسم الإسلام وإما الارتداد والخروج من الإسلام.
ويا لها من مصيبة نالت من السيدة زينب عليها السلام والعلويات من بني هاشم حيث دخلت سلام الله عليها مكبلة في مجلس ابن زياد، ومن يعرف ابن زياد وآباءه وأسلافه ويعرف آباء وأجداد السيدة زينب الطاهرين لعلم عظم المصيبة التي تحل وصعوبتها.
لكنها كانت المهمة الموكلة بالسيدة زينب عليها السلام بتحملها السبي والأسر والصعاب، ألا وهي إيصال الرسالة وتبليغها إلى كل العالم وأحراره إلى يومنا هذا لتكشف زيفهم وضلالهم وتكشف حقيقة ما جرى من مصائب وجور على أهل بيت النبوة عليهم السلام، ولولا زينب عليها السلام لما وصلتنا واقعة الطف كما وصلتنا اليوم، ولما ثبت الإسلام، فانظر إلى عظمة زينب وحساسية دورها في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الإسلام.
وإن السيدة زينب عليها السلام مثال للمرأة في كل العصور وعلى مر الأجيال، ولا ترقى تلك المرأة الناجحة التي تصور لنا في هذه الأيام، تلك المرأة العاملة المستقلة التي يروج لها اليوم وتبدو براقة في أعين النساء المخدوعات بها اليوم، لا ترقى هذه المرأة أبدا إلى مستوى المرأة العابدة العالمة المتمثلة بالسيدة زينب عليها السلام وكالسيدة أم سلمة وأسماء بنت عميس وأم أيمن وغيرهن من النساء في فترة صدر الإسلام اللائي لا نعرف عنهن إلا اليسير.
لقد حدث رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته وأولاده عليهم السلام بما يجري عليهم من المصائب واحدا واحدا، ومن بين هذه المصائب مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام وما يجري عليها من المصائب في واقعة كربلاء وما بعدها.
وهناك حديث طويل يدعى العهد المعهود، وهذا ما سمته به السيدة زينب عليها السلام، وهو النخب المخزون كما عبر الإمام السجاد عليه السلام، وهو حديث عنه عليه السلام يخبر قدامة بن زائدة عما يجري في فاجعة الطف بالتفصيل وما تلاها من مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام.
وفي هذا الإطار لا بد من تذكير المرأة المؤمنة بالاقتداء بالسيدة زينب عليها السلام لا بأعدائها من أمثال هند وميسون، فالمرأة التي تخرج متبرجة تتفنن في إبراز مفاتنها وباختيار أكثر الملابس لفتا للانتباه والأنظار هي امرأة لا تقتدي بالسيدة زينب عليها السلام ولا تمت لها بصلة بتاتا، وإنما أسوتها هند وميسون وأمثالهما، فهل رأى أحدنا كيف خرجت السيدة زينب عليها السلام في مجالس الظالمين الطغاة متسترة عفيفة تستر نفسها بما لا يلفت الانتباه ولا الأنظار، ورغم ذلك زلزلت عروش الطغاة وقضت مضاجعهم؟! أليس حريًّا بنا أن نقتدي ببطلة كربلاء وأم المصائب بدلا من آكلة الأكباد؟!