قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: ومضات
آخر برامج من: الشيخ حسين الكوراني (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

مناسبات آواخر ذي الحجة (2) – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله

إن من تأمل في التقويم الإسلامي عرف أن الأيام لا تتشابه من حيث البركة والفضل، وأن لبعض الأزمنة محطات إلهية تختزن فيها أسرار النبوة، وتجليات الولاية، وإشراقات الكمال الإنساني.

وشهر ذي الحجة من تلك الأشهر التي تفوح منها عبق العبادة والطاعة، ولئن كانت عشره الأولى معروفة بمناسك الحج وأيام عرفة والنحر، فإن عشره الأخيرة تزدان بمناسبات إلهية عظمى، هي من صلب العقيدة ولبّ الرسالة.

ومن أهم هذه المناسبات:

عيد الغدير الأغر: يوم إكمال الدين

في الثامن عشر من ذي الحجة، وبينما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله راجعًا من حجة الوداع، أُمر بأن يُقيم في منطقة غدير خم لينقل للأمة أمرًا من أعظم الأوامر، فجمع المسلمين في حرّ الظهيرة، وخطب فيهم خطبة بلغت القلوب والضمائر، ثم رفع يد علي عليه السلام وقال:

“من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.”

فنزل قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾ [المائدة: 3].

وفي هذا اليوم العظيم، جاء في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام عن فضل إطعام الطعام: “ومن فطر مؤمنًا في ليلته فكأنما فطر فئامًا وفئامًا…”

فسأله أحدهم: وما الفئام؟

فقال: “مائتا ألف نبي وصديق وشهيد، فكيف بمن يكفل عددًا من المؤمنين والمؤمنات؟ فأنا ضمينه على الله تعالى بالأمان من الكفر والفقر.”

وهذا النصّ يفتح لنا أفقًا عظيمًا حول فضل إكرام المؤمنين في يوم الغدير، لا لكونه كرمًا فحسب، بل لأنه إعلان ولاء لأهل بيت النبوة، وانخراط في صف الولاية الخالدة.

ذكرى المباهلة: شهادة من السماء

وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة، وقعت حادثة المباهلة مع نصارى نجران، حيث دعاهم النبي إلى الإسلام، فأبوا، فأنزل الله تعالى: ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم…﴾ [آل عمران: 61].

فجاء النبي بأعظم من يمثّل الرسالة:

الحسن والحسين: أبناءه، فاطمة الزهراء: نساءه، أمير المؤمنين: نفسه

فارتعد النصارى من هالة النور المحيطة بهم، وامتنعوا عن المباهلة، ودفعوا الجزية.

وما أعظم أن نحيي هذه الذكرى بإظهار حبنا لمن شهد الله بفضلهم في القرآن، وأن نتأسى بالنبي الذي لم يختر في يوم المباهلة إلا صفوة الخلق.

حادثة التصدق بالخاتم: إعلان الولاية القرآنية

ومن أبرز أحداث هذا الشهر المبارك، قصة التصدق بالخاتم أثناء الصلاة.

فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: “إن رهطًا من اليهود أسلموا، وقالوا للنبي: يا محمد، إن موسى أوصى ليوشع، فمن وصيك؟”

فنزل قوله تعالى: ﴿إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [المائدة: 55].

وبالإجماع، نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام، حين تصدق بخاتمه لسائل وهو في حال الركوع.

فقال النبي صلى الله عليه وآله للسائل: “من أعطاك؟”

قال: “رجل كان يصلي راكعًا.”

فقال النبي: “عليٌّ وليكم بعدي.”

ثم نزل: ﴿ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾.

وفي هذه المناسبة، أعلن القرآن ولاية علي عليه السلام بصورة لا تقبل التأويل، وربط بين أداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومرتبة الولاية.

نزول سورة “هل أتى”: تجسيد الكمال الروحي

ومن أعظم ما نزل في أواخر هذا الشهر، سورة “هل أتى على الإنسان”، التي تمجّد أهل البيت عليهم السلام، وتخلّد قصة إيثارهم حين صاموا ثلاثة أيام، وأعطوا طعامهم في كل يوم لمسكينٍ ويتيمٍ وأسير.

فقال تعالى: ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا﴾

فأثنى الله على صبرهم، ووعدهم بجنة وحرير.

هذا هو العطاء الخالص، وهؤلاء هم قدوتنا في الإيثار والصفاء، فقد نزل فيهم قرآن يتلى إلى قيام الساعة.

وفي الختام:

هذه المناسبات ليست تاريخًا يُذكر، بل نداء إلهي متجدّد، يدعونا لنعيش معاني الولاية والإيثار والإخلاص في كل تفاصيل حياتنا.

كل عملٍ صالح نقوم به في هذه الأيام — إطعام الطعام، إحياء شعائر الغدير، التصدق، تبليغ الحق — هو تلبية لنداء السماء، واقتداء بأولياء الله.

فلنحوّل هذه الأيام إلى مهرجانٍ من الولاء، ولتكن ولادتنا الجديدة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

مواضيع مشابهة

أضواء – 36- حادثة التصدق بالخاتم

ولائيات أهل البيت (ع)