التدبر في القرآن الكريم – الشيخ حبيب الكاظمي
روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل.
ويمكن تفسير عبارة (حملة القرآن) بعدة تفاسير، فينطبق عليها من حمل القرآن بلفظه كالحافظ للقرآن والتالي له تلاوة صحيحة والمراعي لأحكام التجويد والتلاوة فيه، وهذا أضعف أنواع الحمل رغم التقدير لهذه الفئة الذي يحفظون القرآن ويتلونه ويجودونه، لكنها تبقى أضعف مراتب حمل القرآن.
وهناك من يحمل القرآن بمعانيه الظاهرية، وهو من يفهم معاني القرآن الظاهرية دون الخفايا والمعاني العميقة للقرآن، وهذه مرتبة أعلى من مراتب حمل القرآن الكريم.
لكن ماذا عن الآيات المشكلة في القرآن الكريم والألفاظ الغريبة فيه، ومثال ذلك سورة الفلق التي تحتوي على معان عميقة ومعقدة يصعب على الكثيرين فهمها، ولذلك تجد بعض المفسرين ممن عد سورتي الفلق والناس -وهما المعوذتان اللتان تقرآن في كثير من مواضع الخوف من العين والحسد وما إلى ذلك- ليسا من القرآن وهما زيادة عليه، والحال أنهما من القرآن بلا شك لأن الله حفظ كتابه من أن تطاله يد التحريف.
وهناك سورة العاديات التي تبدأ بقوله تعالى (والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا) التي تعتبر من الآيات المشكلة في القرآن الكريم، وفيها من الألفاظ الغريبة المشكلة التي يصعب معها فهم حقيقتها، وهناك ترديد بين أن المقصود بها الحج أم الجهاد في سبيل الله.
والقرآن الكريم زاخر بهذه الألفاظ الغريبة والآيات المشكلة التي يصعب فهمها إلا مع التدبر فيها، مثل قوله تعالى (وفاكهة وأبا) أو (تلك إذا قسمة ضيزى).
وهناك نسخ من القرآن الكريم أشير إلى كل من الآيات المشكلة والألفاظ الغريبة ووضح معناها في الهامش، وتلاوة واحدة لمثل هذه النسخة من القرآن الكريم كافية لجعل الإنسان يتدبر في القرآن الكريم ويفهم حقيقته لا أن يتلوه مجرد تلاوة سطحية لا يفقه معها منه شيئا.
وإننا نشهد العديد من مسابقات حفظ القرآن الكريم ويشكر القائمون على تنظيمها، لكن جل ما يسأل من حفظة القرآن الكريم في مثل هذه المسابقات الأمور التي تتعلق باللفظ دون المعنى، وإن أشير إلى المعنى تكون الإشارة سطحية وإلى معان ظاهرية واضحة، أما ما صعب فهمه واستعصى فلا يكاد يذكر.
ونحن ندعو دائما إلى التدبر في القرآن الكريم وإشاعة هذا الأمر بين الحفاظ والحافظات، لأن حفظ ألفاظ القرآن الكريم وتلاوته بشكل صحيح هو أمر يستطيع طفل بعمر العاشرة أن يفعله، لكنه لو سئل عن بعض معاني القرآن الكريم لم يستطع الإجابة لأنه يكتفي بألفاظ القرآن وظاهره لا لبه وجوهره.
إن حفظ القرآن أمر ممتاز ونحن ندعو له ونشجع عليه دائما، فالقرآن ينير القلوب ويفتح السرائر والبصائر، لكن الحفظ هو مجرد عملية انتقال من الورق إلى العين إلى الذهن إلى اللسان ليس إلا، وإن قداسة القرآن وعظمته تمكن في جوهره ولبه وهي المعاني العظيمة التي يختزنها والتي ندعو إلى التدبر فيها.
ينبغي على حفظة القرآن الكريم أن يقرؤوا ما بين سطور الآيات المشكلة في القرآن الكريم، وأن يفهموا معاني الألفاظ الغريبة فيه، لأن هناك هجمات من قبل العلمانيين واللادينيين اليوم لانتقاد القرآن الكريم والانتقاص منه، فإن لم يملك المرء دليلا لم يستطع الرد على الشبهات المطروحة، ولن يمتلك المرء القدرة على الرد إلا إن تدبر في القرآن الكريم وفهم معانيه وأدرك خباياه وكنوزه.
وهناك العديد من الآيات المشكلة في القرآن الكريم، وهناك المحكم والمتشابه، وهناك العديد من الآيات المتشابهة في القرآن الكريم لكنها قد تختلف في لفظة بسيطة، فكيف نستطيع أن نفهم سبب ورودها بهذا اللفظ في آية وبلفظ آخر في آية أخرى إن لم نتدبر في القرآن الكريم ونسبر غوره؟
ومن هذه الآيات المشكلة (نحن نرزقكم وإياهم) وفي موضع آخر (نحن نرزقهم وإياكم)، أو في آية أخرى (خشية إملاق) أو (من إملاق)، كما تختتم العديد من الآيات المباركة بكلمات من مثل (لعلكم تعقلون) أو (لعلكم تتقون) أو (لعلكم تتفكرون) ونحو ذلك، فما السبب في التفاوت فيما بينها؟
كل تلك بحوث قرآنية ذكرها العديد من الباحثين في كتبهم وأشاروا إليها بالتفصيل، ولا بأس أن يكون لكل منا تعليقه على القرآن الكريم، وقد سمعت أن هناك من الناس من يجلس ويتفكر ساعة بل ساعات في صفحة من صفحات المصحف الشريف ويدون فهمه وتعليقه على الصفحة، فما أجمل أن نتدبر في القرآن الكريم ومعانيه السامية.