قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة :2
معنى (بَعَثَ) في قوله تعالـى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) غير معنـى أرسل؛ لأنَّ الإرسال قد يكون لأمر عادي ، ولكن البعث يكون في حالة من حالات الإيقاظ والنَّهضـة العُظمى ، والنَّبـي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بُعِثَ ولم يُرسَـل إرسالاً عاديَّـاً في الأُميِّين.
قـد يعيش البعض فـي مكان ما أربعيـن سنة أو أكثر ، ولكنَّه لا يستطيع أن يُغيِّـر واقعاً ما ـ وإن كان داعيةً ـ بخلاف النَّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي قلب الموازين في فترة ثـلاث وعشرين سنـة ـ وهي فتـرة قصيرة ـ لأنَّ مَـن بعثه هو ربّ العالميـن، الذي طوى له الزمان..!
منذ أن خلق الله آدم عليه السلام وإلى زمان نبيِّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم نرَ قوماً في أدنى درجات المعرفـة والتخلُّف والقسوة والظلم كقُريش ـ رغـم بلاغتهم وفصاحتهم ـ وكـان أحدهم يحفر لابنته حفيرة ليدفنها وهي حيَّة ، وهي تمسح الغبار عن لحيته..! قال تعالى: (يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ …)
مـن أوصاف النَّبـي (صلى الله عليه وآله) أنَّـه أميّ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) ، ويُقـال : أوَّلاً: لأنَّه منسوب إلى أمِّ القُرى، وهي مكَّة. ثانيـاً: لا ضيـر أن يكـون النَّبي (صلى الله عليه وآله) لا يقـرأ ولا يكتـب ، لأنَّـه جاء بهـذا الكتـاب ( المُعجِـزة الخالدة ) ، ولو كـان (صلى الله عليه وآله) يقرأ ويكتـب لاتُّهِمَ بأنَّـه يذهب إلى الكتاتيب والأحبار ويأخذ علمه منهم.. !
وصف القرآن النَّبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: (مِنْهُمْ) في قوله تعالى:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) أي من قريش، ومن المُلاحظ أن الإنسان يأبـى أن يُنسَب إلـى قوم متُخلِّفيـن، ولكنَّ معنى كـون الرَّسول (صلى الله عليه وآله) (مِنْهُمْ) بهذه المعانـي الثلاثة: لغته نفس لغتهم، ونشأته بينهم، والعاطفة ووشائج القُربى.
أنظر أيضا:
إضاءات على تاريخ البعثة النبوية
موقع النبي (ص) في قلوب الأمة