قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

آداب الطعام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

(كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)

إن الأمر بالأكل في الآية ليس المقصود منه الأمر الوجوبي، إنما يقصد منه الإباحة، فالأكل حالة طبيعية فلا يحتاج أن يأمر الله تعالى به، لأن الأمر الإلهي يتعلق بما يقد الإنسان على فعله أو تركة.

بل إن الأكل يخضع للأحكام الخمسة، فقد يكون واجباً عندما تهدد حياة الإنسان أو صحته عندها بناء على حفظ النفس يستلزم الوجوب، وفي هذه الحالة حتى الأكل المحرم يصبح واجباً في حال عدم وجود غيره، أو قد يصبح مستحباً فعدما يكون الأكل مع الوالدين أو مع الضيف يؤنسه، وقد يكون مكروها إذا كان بجانب الفرد حيوان ينظر إليه ولا يشركه معه.

فقد روي أن الإمام الحسين عليه السلام ذات يوم ذهب مع أصحابه إلى بستانه، وكان في ذلك البستان غلام له ، اسمه صافي، فلما قرب من البستان رأى الغلام قاعدا يأكل خبزا، فنظر الإمام الحسين عليه السلام إليه، وجلس عند نخلة مستترا لا يراه، فكان يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب ويأكل نصفه الآخر، فتعجب الإمام الحسين عليه السلام من فعل الغلام، فلما فرغ من أكله، قال: الحمد لله رب العالمين، أللهم اغفر لي واغفر لسيدي، وبارك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.

فقام الحسين عليه السلام وقال: يا صافي! فقام الغلام فزعا وقال: يا سيدي! وسيد المؤمنين! إني ما رأيتك، فأعف عني.

فقال الحسين عليه السلام: إجعلني في حل يا صافي! لأني دخلت بستانك بغير إذنك.

فقال صافي: بفضلك يا سيدي! وكرمك وسؤددك تقول هذا.

فقال الحسين عليه السلام: رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب، وتأكل نصفه الآخر، فما معنى ذلك؟!

فقال الغلام: إن هذا الكلب ينظر إلى حين آكل، فأستحي منه يا سيدي لنظره إلي، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء، وأنا عبدك وهذا كلبك، فأكلنا رزقك معا، فبكى الحسين عليه السلام وقال: أنت عتيق لله تعالى، ووهبت لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.

فقال الغلام: إن أعتقتني فأنا أريد القيام ببستانك.

فقال الحسين عليه السلام: إن الرجل إذا تكلم بكلام فينبغي أن يصدق بالفعل، فأنا قد قلت دخلت بستانك بغير إذنك، فصدقت قولي ووهبت البستان وما فيه لك، غير أن أصحابي هؤلاء جاؤوا لأكل الثمار والرطب، فاجعلهم أضيافا لك وأكرمهم من أجلي أكرمك الله يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك وأدبك.

فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك فإني قد سبلته لأصحابك وشيعتك.