تأملات في حديث العهد المعهود – الشيخ حسين الكوراني رحمه الله
عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: (لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي عليه السلام وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعا ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي عليهما السلام، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي).
(فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرملين بالعرى، مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر.)
فقالت: (لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورا، وأمره إلا علوا.)
فالمستفاد من هذه الرواية أن الله تعالى هو من خطط لهذه الملحمة، ليختبر بها المؤمنين ويميز بينهم وبين المنافقين، فحتى ينال الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه المرتبة العليا في الجنة وحتى يستحق أيضاً قاتليهم الخلود في عذاب جهنم كان لابد لكل منهما أن يدخلا هذا الامتحان الإلهي.
وأيضاً توضح هذه الرواية دور السيدة زينب عليها السلام في هذا الامتحان، وكيف بينت للأجيال عظمة هذه الواقعة ومكانة كربلاء التي احتضنت هذه الأجساد الطاهرة وكيف أنها أصبحت علماً ومنارة للأجيال المؤمنة على مر العصور، ولم يكن دور العقيلة بأقل من دور شهداء الطف، بل كان الزرع منهم وهي من حصدت ثمار هذه الملحمة.